أسعد فضة ووليد اخلاصي ... رحلة الى مرفأ البدايات أتاحت الفعاليات الثقافية المرافقة لمهرجان قلعة الحصن الأول رحلة قصيرة في الذاكرة تعانق فيها الماضي بكل تفاصيله الحميمة مع أرج المكان .. قصر الزهراوي في حمص .. فهو أيضا الماضي بشكله الأروع فحيث نظرت ستغريك الحجارة و الأبواب و النوافذ لاكتشاف ما تختزنه من حكايات و أزمنة .. هي فسحة من الوقت منحتها حمص لضيوفها القادمين من عوالم الأدب و الفن و الموسيقا و نحن المسافرين في دروب الحياة , المثقلين بأحمال من الأحلام الصغيرة و بكثير من الخيبات و المتطلعين الى ضوء في آخر النفق , كم كنا نحتاج الى حفنة من الدقائق في ذلك المكان علنا نخاتل الحياة فنهرب منها قليلا . الى هذا العالم السحري الذي نتنسم عبيره في الفنان " أديبا او ممثلا او موسيقيا " "هو ذاك الذي انجبته الصباحات فاستنشقته الحقول وصارت تقول له ما تقول فيمضي و بين الضلوع سماء و ماء يؤسس بعد الكلام ويرسم شكل المدى للمدى " فهل يمكن لبعض وقت أن يختصر أزمنة التعب و العطاء ؟! أسعد فضة بدأ برغبة في الحوار بعيدا عن الورق و القراءة و الاستماع فعنوان اللقاء ," الفن و الحياة " يشتمل على الكثير الكثير وقال : من المعروف أن الفن هو ما يجعل الانسان في حالة ابداع دائم و كذلك الوجود فهو حالة ابداع مستمر من خلال تحريكه للسكون الزمني فلا زمن يحد الابداع و من مهام الفنون التزامها بهموم الانسان الذاتية و الاجتماعية بل و الكونية كما أن البشرية - تاريخيا – تستعين بالفنون عند الأزمات و عندما تريد تأكيد وجودها , وأول شرط من شروط الفن هو الحرية التي تعني الابتعاد عن كل تقليد او نسخ و البحث عن الخصوصية لأننا نعيش ضمن نظام شعورية و عقلية واعية ولا واعية و بالتالي لا شيء ثابتا ضمن اسس و قواعد فالعالم متجدد و يجب ان نتجدد معه و لأن الفن تراث انساني علينا استيعابه ولكن لا بد من الابتعاد عن التقليد و العودة الى التجريب لنكتشف خصوصيتنا و جوهر انساننا عبر الفنون التي نقدمها . وعن مسيرته في الفن و معه قال : كانت البدايات في الستينات وهي مرحلة تأسيس حفلت بالكثير من الصعوبات و الأحلام فعملنا في مستودع حولناه الى مسرح " القباني " و كنا ننجز المسرحيات الكبيرة , كما الاخوة كارمازوف , بواسطة "بلجكتور " واحد و بدأت أحلامنا بحركة مسرحية تكبر و لكن لابد من توفر شروطها و بنيتها التحتية و ككان من حسن حظنا عندما بدأنا عام 1963 حيث كانت ولادة حزب البعث العربي الاشتراكي و استلامه القيادة ان في اجندته هامشا كبيرا للفنون و دورها في حياة الشعوب و هذا ساعدنا كثيرا . فكان التحضير لمسرح الحمراء ووضع حجر الأساس لدار الأسد للثقافة و الفنون 1972 ثم المجالات المختصة و المعاهد التي ستخرج كوادر جديدة متخصصة فكان المعهد العالي للفنون المسرحية و اخر للموسيقا . في الثمانينات ذهبت الى السينما و التلفزيون كنوع من الاجازة – أضاف الفنان – و لكنها طالت و صعب علي الرجوع الى المسرح رغم توقي الشديد له . وعن المسرح في سوريا قال :هو موجود ولكن لابد من ايجاد أسس و قواعد و تقاليد مسرحية لعل أهمها الموسم المسرحي الذي يجب أن يكون قويا مستمرا و قادرا على جذب الناس فالعلاقة بين المسرح و الجمهور حساسة و دقيقة ولابد من مراعاتها اذ يجب ان اقدم لهذا القادم من بيته مادة تعوضه عن كل ما يعرض في الفضائيات ثم اشار ان العمل في المسرح يحتاج الى من يعمل فيه لهمّ ابداعي فقط دون النظر الى الهم المادي ثم هناك الصدق الفني والذي يختلف عن الصدق ببعده الأخلاقي وهو هنا يعني الموهبة و الخبرة و التقنيات و المهارات , وبعد بوح جميل للفنان أسعد فضة حلق جمهور حمص مع موسيقا فرقة ابي خليل القباني التراثية بقيادة الفنان جوان قره جولي الذي قال فيه العازف الشهير منير بشير " لقد وجدت خليفتي في سوريا " وقال عنه الموسيقي البارع صلحي الوادي " هو من العازفين ذوي الإحساس العالي و المهارة التقنية عالية المستوى " وقال الفنان قره جولي للثورة " ان الفرقة تهتم بالتراث السوري والعربي الحديث منه والشعبي و الكلاسيكي وقد تأسست عام 1977 وقدمت أول عروضها في دمشق بحضور ألفي شخص كما شاركت في مهرجان الموسيقا العربية في مصر عام 1999 وفي مهرجان معرض دمشق الدولي عامي 2001 – 2002 كما في العديد من الحفلات الأخرى " وقد قدمت الفرقة مجموعة من الوصلات الغنائية التراثية و ختمت بمقطوعة تعتمد الارتجال للحن معين يتناوب عليه العازفون و كان ختاما رائعا استحق تصفيق الجمهور طويلا ووقوفه احتراما لهذا المستوى الراقي من الموسيقا , وفي هروب آخر وراء الزمان ابحر الاديب وليد اخلاصي عميقا حيث وصلنا معه شاطئ البدايات ليذكر بعض الحوادث التي مرت به لتترك أثارا واضحة في مسار وعيه للمجتمع و الحياة و الادب فالفوضى التي عمت ساحة الملعب في حلب منذ 60 عاما و إثر سقوط طائرة قام طيارها بحركات بهلوانية في الجو احتفالا بعيد الاستقلال – و التي لم تصب احدا بأذى ولا حتى طيارها – جعلت الكل يتدافع هلعا وخوفا , فتساءل : هل تفسر تلك الفوضى في حلب ما سيمر بالوطن و البلاد العربية من فوضى و بصورة مستمرة ؟ وأجاب بأنه من خلال قراءاته المتنوعة عرف بأن الذعر الاجتماعي هو أحد وسائل الضعف في المجتمع وفي وجه ذلك لابد من مجتمع مكتمل التفكير في مجابهة الأحداث ومن خلال كل ما مر بالوطن منذ 1948. تساءل هل نحن بحاجة الى عقل اجتماعي واع ومن يصنعه ؟! وهل أنا شريك في ترميم او بناء جانب من ذلك العقل ام ان جهود الكتاب و السياسيين و الفنانين عاجزة عن اعادة الوضع الاجتماعي الى حالته الطبيعية ؟ وعن بدايات الكتابة فقد انطلقت من كتابة الرسائل الغرامية لأصدقائي العاشقين – و انا ما زلت في العاشرة – وقد عادت علي بفائدة مالية – تذكرة سينما أو سندويش – لكن المسار فيما بعد اختلف و قد اكتشفت انني في اليوم الذي اكتب فيه حرفا واحدا او كلمة واحدة لست مؤمنا بها فإني خائن واحمد الله انني حتى الآن لم اخن كلمتي ولا نفسي . وفي مجال الرواية ذكر أنه في الثمانينات شهدت حلب فترة صعبة فحرص على المكوث في البيت و لكي يقدم لنفسه العزاء في مواجهة تلك المصيبة الاجتماعية بدأ بكتابة رواية , بعد نشر الرواية و لمدة طويلة رافقته البطلة " وهوب " ذات المئة عام من العمر " وهوب " لم تمت لأنها كانت تمثل الوطن أو المدينة وقال : " هذا هو سبب احتمالي لكل ما يجري في الوطن العربي و في العالم من انهيار في الأخلاق و القيم و الحريات و مع كل ذلك فأنا صامد " وحول تقاطع حياته الواقعية مع كتاباته قال : أمام الكاتب قطاران قطار حياته الشخصية و قطار الأدب او ما اسميه قطار التخييل لأن معظم ما كتبته هو عملية اختراع لأشياء لا أعرفها انما مرتبطة بالواقع لدرجة تكاد أن تكون هي الواقع الحقيقي و حياتنا هي المزيفة و هذا التبادل قد يكون مفيدا او مؤلما . وردا على سؤال أحد الحاضرين عن رأيه بالرواية السورية قال : هذا يحتاج الى رسالتي دكتوراه ربما , وهو سؤال خطير فهل يعرف أحدنا مثلا – فيما عدا القليل – الانتاج الروائي السوري ؟ هل هناك انسوكلوبيديا للرواية السورية او العربية لتتم عملية الموازنة و الحكم ؟ كل ذلك مفقود , اذا فالأرضية العلمية لإطلاق الاحكام غير موجودة ومع ذلك فهذا لا يعفيني من الاجابة و اسأل : هل يستطيع المجتمع السوري ان ينتج شاعرا عظيما كل سنتين ! ام كل 60 سنة ؟ فاذا ما احصينا ما كتب منذ عام 1946 و عالجنا الرواية و الشعر و القصة سنجد كما هائلا من اللغو السخيف و سنجد ايضا علامات ترقى الى أحسن مستوى و هذا التناقض من طبيعة الأمور , ولكن لنتساءل هل من الممكن زيادة نسبة الاعمال العظيمة و ستكون الاجابة بأنه لابد من توفير مشروع ثقافي وطني متكامل وهذا يتطلب تعميق و تكريس اربع نقاط اساسية في حياة السوريين . تأسيس ثقافة العمل كي يصبح موازيا للصلاة و العبادة , ثقافة الاتقان في كل مجال من مجالات الحياة , ثقافة الابداع وان يعامل على أنه ثروة قومية و هنا لابد من تعاون الدولة و الجهات و المؤسسات الاهلية و اخيرا هناك ثقافة التوصيل اي كيف يمكننا ايصال الثقافة الابداعية للناس واذا لابد من العودة الى فلسفة التجريب التي أسست للحضارة الغربية و العدول عن فلسفة التسليم و التقليد . ان الأدب مضاد حيوي قادر على مقاومة بعض الأمراض في المجتمع ولذا صارت الكتابة عندي أكثر جدية وهو ليس وسيلة للوصول الى غرض ما لأنه اكثر نبلا فهو وسيلة لخلق الجمال , وصرت متخصصا في البحث عن العيوب الاجتماعية لا لأسخر منها و انما لتكون وسيلة للتغيير في المجتمع فنجحت احيانا و فشلت احيانا أخرى .. سوزان ابراهيم
|