مسرح | سينما | دراما | مع الصحافة والنقاد | قول على قول | قيل في اسعد | قراءات | معلومات شخصية | صور شخصية | الاتصال بي


سيقدم مسرح فايمر في المانيا الديمقراطية هذا الموسم مسرحية لمؤلف سوري و مخرج سوري , ومسرح فايمر هذا له سمة خاصة و مكانة مميزة ليس في المانيا فحسب , بل وفي كافة انحاء العالم و ذلك لكونه مسرح غوته و شيلر و ليست حيث كان هؤلاء العظام يقدمون أعمالهم عليه .

و المسرحية هي " مغامرة رأس المملوك جابر " من تأليف سعد الله ونوس , وقد أخرجها الفنان أسد فضة في المانيا الديمقراطية بمدينة فايمر – 350 كيلو متر جنوبي برلين – بعد أن أمضى هناك شهرين و عشرة أيام وقد عاد في هذا الأسبوع .

و مغامرة رأس المملوك جابر .. بلا شك عمل يحمل أكثر من بعد محلي , ولعل هذا ما رشحه لأن يتجاوز حدود الوطن و يدفع فرقة فايمر المسرحية الالمانية لاختياره في موسمها الحالي .

فالمغامر جابر الذي يسلم رأسه بدافع المغامرة فقط و دون أن يتساءل لمن يسلم ؟ ولماذا هذا التسليم ؟ فهو لا يلبث ان يجد رأسه يتدحرج على الأرض .

وهذه نتيجة طبيعية للانتهازية التي تبحث عادة عن المكاسب الشخصية فقط , ضاربة بكل القيم .

وجابر ليس بالنموذج المحلي فقط انه نموذج عالمي .. انه داء موجود في كل مكان .. ولذا فإن الأعمال الفنية التي تشرح هذا الداء , لاشك أنها تفرض نفسها عل كل جمهور في كل مكان وفي كل زمان .

لعل من أجل هذا وقع اختيار فرقة فايمر المسرحية على مسرحية " مغامرة رأس المملوك جابر" عندما أرادت اختيار أحد النصوص من القطر العربي السوري لتقديمه أمام الجمهور الألماني , ولعل ما شجعها على هذا الاختيار هو ذاك الجو الشرقي الذي يتمتع به النص , سواء في عملية نقل الحكواتي في المقهى الشعبي الى خشبة المسرح .

أو في القصة التي تحملها المسرحية عن واحد من اولئك المغامرين الذين اشتهروا في الأساطير و الحكايات الشعبية في الشرق و الذين تحمل حياتهم أكثر من مفاجأة .. كما تحمل الى جانب ذلك العبرة .

كيف تم اختيار أسعد فضة ليخرج مغامرة رأس المملوك جابر في المانيا الديمقراطية ؟ وما هي انطباعات مخرج سوري عندما يؤدي عمله في بلد اجنبي ؟ ماهي العقبات التي يمكن أن تعترضه ؟ ماهي الدروس التي عاد بها من احتكاكه العملي مع فرقة اجنبية ؟

هذا ما يحاول أن يجيب عنه حوارنا مع الفنان أسعد فضة ..

أما عن حكاية انتقاله بالذات لإخراج هذا العمل فيقول :

*إنها مجرد ترشيح من الوزارة .. طلبت فرقة فايمر مخرجا فرشحتني الوزارة ... و ان الاتفاقية الثقافية مع المانيا الديمقراطية تنص على تبادل مخرجين .

سألت الفنان أسعد فضة :

*ماهي أهم السمات التي لاحظتها في الفرقة التي عملت معها لمدة قاربت شهرين ونصف الشهر , والتي يتميز فيها أسلوب العمل عندهم ؟

*هناك عدة نقاط من المهم الوقوف عندها ودراستها بإمعان , من ذلك مثلا ملاحظة أسلوب العمل الجماعي في كل ميدان ... سواء في مجال تحديد عمل الموسم بكامله , أو في مجال انجاز العمل الفني الواحد , صفة الجماعية دائما واردة , كما ان للتخطيط دورا أساسيا , كل شيء بحسب خطة , منهاج الموسم بكامله يخطط له و يدرس , وكل صغيرة وكبيرة في العمل الواحد توضع كافة حساباتها , ودائما نجد في الحساب أن أي عمل يجب أن يحقق حدا أدنى من النجاح لا يجوز أن يقل عن نسبة معينة , وهي نسبة عالية غالبا , لا تقل عن ثمانين بالمئة في معظم الأحيان .

*أحب أن نقف لنرى ماذا تعني بتعبير ( النجاح ) ؟ ما هو تفسير النجاح في رأيهم ؟

*طبعا النجاح الفني .. أي أن كل عمل يجب أن يقدم على المسرح بمواصفات فنية فيها ما لا يقل عن ثمانين بالمئة من النجاح .

*اذا ليست القضية قضية نجاح جماهيري ؟

*إن هذا يؤخذ بعين الاعتبار أيضا .

*اذن نستطيع أن نقول ان تفسير الناح يطرق من كافة الابواب : الموضوع , والفنية , والجمهور

* بالطبع ...

*استاذ أسعد ..عندنا في المسرح القومي طرق عمل , وفي الفرقة التي عملت معها خلال الشهرين الماضيين لاشك أن لهم طرقهم أيضا ... الم تصادفك مشاكل في هذا الجانب ؟

* هم يتبعون نظام ( الروبرتوار ) ... وهذا يختلف كليا عن النظام الذي نتبعه نحن .. نعرض المسرحية لشهر أو شهرين ثم ترفع نهائيا , أو تعاد بعد عدة سنوات , أما نظامهم فيعتمد على عرض المسرحية ليوم أو بضعة أيام قليلة ثم ترفع ليوضع سواها , وتعرض من جديد بعد نصف شهر أو ربما أقل أو ربما أكثر .

ماذا ينتج من هذا النظام ؟

ينتج أن الفرقة تقوم بتحضير عدة مسرحيات في آن واحد لأن تلك المسرحيات سوف تعرض في آن واحد أيضا, ولذا – وهنا المشكلة – لن يستطيع المخرج أن يؤدي البروفات بشكل منتظم من أول مشهد في المسرحية حتى آخر مشهد . بل هو في كل يوم يؤدي تمارين على المشاهد التي يوجد عنده ممثلوها , لأن بعض الممثلين سوف يكونون مشغولين في بروفات مسرحيات أخرى , وهكذا قد نعمل اليوم تمرينا على مشهد من الفصل الثالث و غدا من الفصل الأول و بعد غد من الثاني .. وهكذا

*ألم يكن ذلك شاقا بالنسبة اليك ؟

طبعا ... لكن هذا هو النظام الذي واجهني .

*شاهدنا مغامرة رأس المملوك جابر قبل عامين في دمشق من اخراج سعد الله ونوس , هل لإخراجك علاقة بالعمل الذي قدمه سعد الله ونوس ؟

لا .. المنطق يختلف .

*ماهي السمات التي وضعتها في العمل ؟

بالطبع كان أول شيء هو دراسة الجمهور الجديد علي والذي ستقدم له المسرحية .. لقد كنا أمام جمهور جابه خلال تطوره ...نماذج لا تهتم الا بمصالحها الشخصية ... نماذج من أمثال المغامر جابر .. و لذا كان لابد من الاهتمام بهذا الجانب بالإضافة الى جانب آخر تطرحه المسرحية وهو دعوة الناس الى التزام موقف من الأحداث التي تحيط بهم , فعدم التزام جابر وأنانيته لم ينقذاه من مصير أسود .

*أحب أن نتحدث لو سمحت عن نقطة هامة وردت عرضا في مطلع حديثك وهي أن العمل في المسرح الألماني عمل جماعي .. فهذه النقطة أريد لها توضيحا و أمثلة ومقارنة , وكن , وقبل أن نتعرض لهذا الجانب الهام , هل نستطيع أن نأخذ فكرة عن المشاكل التي تعترض المسرح الألماني اليوم والتي رأيتها من خلال احتكاكك العملي في فرقة فايمر ؟

بالطبع ان السرح الالماني شأنه شأن كل مسرح تعترضه مشاكل متنوعة .. الشيء الذي لاحظته في مسرح (برلين انسامبل ) مثلا الفراغ الذي أحدثه غياب بريخت , ذاك الفراغ الذي برز بشكل واضح بعد غياب زوجة بريخت هيلينا فايغل في العام الماضي , ان غياب بريخت و المخرجين الذين يعبرون عن مسرحه أحدث الآن نوعا من الجمود و التكرار في ( برلين انسامبل ) ..

*استاذ أسعد , شرود قليل و عودة سريعة الى مغامرة رأس مملوك جابر : من ترجمها الى الالمانية ؟

الدكتور عادل قره شولي .

*ومتى ستعرض ؟

الأسبوع القادم , بالتحديد في العشرين من الشهر الحالي .

*هل ستحضر الافتتاح ؟

أنني مدعو ولا أعلم ان كان وقتي سيسمح لي بالذهاب .

*نعود لو سمحت لنتابع حديثنا حول ملاحظاتك عن المسرح الالماني , قلنا عن نقطة هامة أن العمل في الفرقة التي أخرجت لها هو قبل كل شيء عمل جماعي , كيف تفسر ذلك ؟

التعاون و التعاضد بين جميع العاملين من أجل الوصول بالعمل الى أعلى نسبة من النجاح .

قبل كل بروفة لابد من مناقشة كافة المشاهد التي سيتم التدريب عليها وقد تستمر تلك المناقشة لأكثر من ساعة , المهم أن الممثل لا يصعد الى المسرح إلا وقد وضح كل شيء في ذهنه ... في هذه الحالة فقط يأخذ الممثل دوره تماما , لأن الممثل ليس مجرد أداة بل مبدأه التساؤل .

كافة الكوادر الفنية متوفرة للفرقة مهندسو الديكور – مصممو الأزياء – الموسيقى – مساعد المخرج – الدراماتيود – وحتى الماكيير و الإداريون , وجميع هؤلاء يعملون في تناسق تام مع المخرج تعقد جلسات جماعية يقول فيها المخرج ماذا يريد وكيف سيكون أسلوب العمل , ويقوم كل مختص من هؤلاء بتسجيل ما يخصه , ومن الممكن أن يتعاونوا فيما بينهم في جلسات ثنائية

( مهندس الديكور و مصمم الأزياء مثلا ) وذلك لإيجاد وسائل تجعل الديكور و الأزياء أكثر تناسقا .

من ملاحظاتي في احتكاكي العملي معهم أقول : عندهم الروح التي تجملهم لمبدأ الوصول بالعمل الى أعلى نسبة من النجاح , وهذا يشكل دليل العمل لكل العاملين .

عندنا هذا الاسلوب غير متوفر , اننا نفتقر اليه لأن الفردية تلعب دورا بارزا , الاخراج في جهة , و الإدارة في جهة , و الممثلون في عزلة , والكوادر الفنية بعزلة أشد , في رأيي العمل عندنا (تراكم جماعي ) وليس ( عمل جماعي ) , مع أنه ببعض التنظيم ويمكن أن يتم العكس .

*بصفتك مخرجا في مديرية المسارح لمدة تسع سنوات ماضية ... ومديرا للمسرح القومي لأقل من ذلك بقليل ,, ألا تتحمل جزءا من مسؤولية ( عدم التنظيم ) و ( التراكم الجماعي ) و عدم القدرة على خلق ( روح العمل الجماعي ) .

لم تكن الأمور دائما تحت طوعنا .. اننا رغم العقبات الكثيرة في طريقنا نرفع مثل هذا الشعار : (( كل شيء تمام , كل شيء كويس ))!.

*اذا كانت بعض الأمور , كتقرير المواسم المسرحية , خارج عن إرادتكم .. الا تعتقد ان ذلك يظل في إطار المستطاع و المسيطر عليه بالنسبة للمسرحية التي تشرف عليها , في هذا النطاق الضيق ماذا يحول دون خلق روح العمل الجماعي ؟

ظروف مديرية المسارح , فالمديرية تعمل بكوادر ناقصة , لا يوجد مهندس ديكور واحد مثلا , لا يوجد مصمم أزياء واحد , في هذه الحالة ماذا تعمل ؟ أننا بلا شك نتعاقد مع أناس من خارج المديرية وهؤلاء ليسوا تحت سيطرتنا مما يفقد دور الجماعية في العمل , تصور ان خزيمة علواني وهو المختص الوحيد في الديكور المسرحي ترك العمل بسبب الخلاف على زيادة خمسين ليرة بالراتب , مع أنه استطاع أن يحصل من جامعة دمشق على راتب أعلى من ذلك بكثير وتحول الى مدرس جامعي .

أننا – بلا شك – اذا ظللنا ننظر الى الفن و مجالات العمل الإبداعي نظرة وظيفية و نظرة مادية فلا يجب أن ننتظر إلا أن يتحطم كل شيء أمام هذه النظرة .

هاني الحاج

 

 

نأن