في لقاء مفتوح بمهرجان الحصن الأول أسعد فضة : تورطت دون أن أدري في هذا العشق ! سار في الآونة الأخيرة عقد لقاءات مفتوحة مع نجوم التمثيل و ذلك في أكثر من مدينة سورية , وغدا تقليدا جميلا يرضي نزوعات النجوم وعشاق فنهم في آن واحد , وضمن هذا التوجه عقد لقاء مفتوح مع الفنان أسعد فضة ضمن فعاليات مهرجان قلعة الحصن الأول للثقافة و الفنون و الترفيه الذي أقيمت فعالياته في القلعة وفي حمص , ففي قصر الزهراوي الأثري بحمص كان اللقاء مع الفنان فضة الذي تحفل سيرته الإبداعية بالعديد من المشاركات الفنية ( مسرحيا , إذاعيا , سينمائيا , تلفزيونيا ) و الذي نال عدة جوائز ربما أهمها جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم (ليالي ابن آوى ) للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد , في مهرجان دمشق السينمائي , كما كرّم في مهرجانات محلية وفي أقطار عربية أخرى . أشار الفنان فضة في بدء حديثه الى أهمية الفنون والتزامها بهموم الانسان الذاتية و الاجتماعية والكونية , والى أن المجتمعات البشرية تستعين بالفنون عند الأزمات لتؤكد وجودها , ولتكون سلاحا يحدد مصيرها , دون أن يغفل الفنان فضة عن أن ذلك مسلمات بديهية , وفي إشارة أخرى رأى أن الإغريقيين تربوا على قيم الفنون التي أبدعوها والتي عكست فلسفتهم أيضا , وكذلك الحال مع الأوروبيين في مراحل تاريخية عدة أهمها عصر النهضة التي كان للفنون الدور الأكبر فيها , كما أشار الى استخدام العولمة للفنون في سبيل خدمة أغراضها , ورأى الفنان فضة أن من أهم شروط الفن : الحرية , والحرية تعني بالنسبة له عدم تقليد الآخر بل أن يقدم الفنان خصوصيته , ثم توقف عند مرحلة البدايات لمسيرته الفنية , والبدايات موسومة دائما بالصعوبات , اذ أشار الى معوقات تحقيق الحلم في تأسيس خشبة مسرح بعد أن عاد من مصر منهيا دراسته الأكاديمية , وكيف حوّل مستودعا الى ما نعرفه اليوم بمسرح القباني دون أن تكون فيه أية وسائط فنية مساعدة , وقدم على خشبته عمله الإخراجي الأول "الأخوة كرامازوف " لكن مع مجيء ثورة آذار العام 1963 أولى حزب البعث العربي الاشتراكي الفنون اهتماما خاصا فبدأ المسرح يتجاوز المعوقات فتحاورنا – والكلام لفضة – مع وزارة الثقافة لشراء أجهزة فنية وأعددنا مسرح الحمراء كمسرح , وسعينا الى ايجاد مجمع مسرحي فكان حجر الأساس لدار الأوبرا , والى تأسيس معهد عال في الفنون المسرحية , والى إصدار مجلات خاصة بالمسرح والفن التشكيلي , وبعد هذا البحث عن البنية التحتية للحركة الفنية و المسرحية و السعي الى تحقيقها والذي استهلك من الوقت حتى أواخر الثمانينات توجه الفنان فضة من المسرح الى السينما والتلفزيون ليأخذ استراحة المحارب لكن ثمة معوقات في الانتاج التلفزيوني واجهته مع غيره , أهمها المردود الضعيف الذي بدأ يتحسن بعد ازدياد نسبة الانتاج و استقطاب معظم العناصر الفنية التي كانت تعمل في المسرح , فبقي المسرح على حاله لضعف ميزانية وزارة الثقافة بالقياس الى ميزانية وزارة الإعلام ,وفي هذه الفترة بدأ المعهد العالي يخرّج العناصر التمثيلية الأكاديمية , وكذلك الأمر في المجال الموسيقي , وهذا ساهم في تطوير كل فن مع اختلاف النسب , و أول سؤال وجهه الحضور للفنان فضة كان : هل أنت راض عن الحركة الموسيقية في سوريا ؟ فأجاب : الحركة الموسيقية ليست جيدة و لهذا أسبابه التي تبدأ بحداثة المعهد العالي و الذي بدأ يخرج أجيالا جديدة بكل الاختصاصات و هم يحتاجون الى مزيد من الوقت ليقدم معظمهم ما عنده من إبداع , بالإضافة الى أن مبادرتهم قليلة قياسا الى زملائهم في فن الدراما , وإجابة على سؤال : ما اسباب غياب العروض المسرحية التي تجذب المشاهدين , قال فضة : لابد لعرض المسرحي أن يعوّض للمشاهد ما تقدمه له الفنون البصرية الأخرى التي تقدمها الفضائيات , على المستويين الفكري و الفني حتى ينجذب للمسرح , وهذه مهمة صعبة لا يتقنها إلا الفنان الصادق , والصدق بعالم الفن ليس البعد الأخلاقي , بل الصدق في عشق فن المسرح و الانشغال بقضاياه الفنية و الفكرية , أما ما الذي أخذه للمسرح , فقال تورطت دون أن أدري في عشق هذا الفن منذ أن كنت طفلا في المدرسة الأرثوذكسية في اللاذقية والتي تتلمذنا فيها على أيدي أساتذة فرنسيين الذين كانوا يكلفوننا بتجسيد مشاهد من مسرحيات لكتّاب فرنسيين , وهذا ما سقى البذرة الموجودة في داخلي فاتجهت لدراسة المسرح أكاديميا , وعلى سؤال ماهي أسباب التغيير المستمر في إدارات مديرية المسارح و الموسيقا خصوصا أنه شغل هذا المنصب لسنوات طويلة ؟ أجاب : بصراحة أنا مثلكم أستغرب هذا التغيير المستمر , ويخيل لي أن أية شخصية إدارية لن تفلح في تحقيق إنجازات مهمة ولا في استقطاب عناصر تمثيلية وفنية أخرى إذا لم يوضع تحت تصرفها ميزانية جيدة تسمح بظروف إنتاجية تليق بالفنانين , وسألته " تشرين " عن رأيه في المسلسلات المصرية التي تكتب خصيصا لهذا النجم أو ذاك وإن كان يطمح الى مثل هذا التوجه ؟ فأجاب : هذا التوجه قديم نوعا ما , وثمة أدوار كتبت خصيصا لي في الدراما التلفزيونية كدوري في " بصمات على جدار الزمن " و دوري في الفيلم السينمائي " ليالي ابن آوى " و أنا لست ضد هذا التوجه في كتابة أي مسلسل أو فيلم بشرط أن لا يهيمن النجم على وملائه في العمل و يحاول جذب كل أطراف العمل إليه ليبرز هو لأن ذلك سيضعف بقية الزملاء و هذا سيؤدي بلا شك الى ضعف العمل بشكل عام , كما سألته "تشرين " عن الشخصية التي سيجسدها في مسلسل "نزار قباني " الذي يخرجه الفنان باسل الخطيب , و إن كان يطمح في قابل الأيام الى أن تجسد سيرته الفنية الغنية بمسلسل . اجاب أولا بضحكة غامضة و بتواضع على الشق الثاني قائلا : الطموح الذي تسألني عنه أتركه للأيام و للأجيال القادمة , وقبل أن يتحدث عن شخصيته تمنى لو أن الظروف تجمعه بهدباء قباني ابنة المرحوم الشاعر الكبير نزار قباني لمحاولة إقناعها ليس بالعدول عن الدعوة ضد الشركة المنتجة للمسلسل فقط بل و إقناعها بالمساهمة في إنتاجه , لأن هذا المسلسل يؤرخ عموما لعائلة القباني و يقدمها بشكل مشرف , فوالد الشاعر نزار – و الكلام لفضة – الذي سأجسد شخصيته في المسلسل كان عنصرا فاعلا في أحداث فترة المسلسل من كونه كان عضوا في الكتلة الوطنية , وقد حرص على تربية أولاده , و مستوعبا لمخاطر الحركة الموجودة في مجتمعه و لتمرد الشاعر نزار و نقده بقصائده لما هو راكد في المجتمع , وهو الذي قال لابنه الشاعر العائلة قدّمت شهيدا و يقصد الجد " أبو خليل القباني " الذي أحرقوا له المسرح فهرب الى مصر مطاردا بالحجارة , وهي تستطيع تقديم شهيد آخر بشرط أن تذكر الأجيال عمله , فهو أب واع جدا لأهمية التجديد في الشعر و لمفاهيم الحياة , أخيرا , المصادفة وحدها جعل الفرقة التي أحيت الحفل الفني بعد هذا اللقاء هي فرقة أبي خليل القباني الموسيقية بقيادة الفنان جوان قره جولي عازف العود المعروف , الذي أحيا بمشاركة عماد السمان ( كونتر باص ) سهيل نابو ( كمان ) توفيق ميرخان ( قانون ) عدنان فتح الله ( عود ) محمد فتيان ( ناي ) عامر دهبر ( إيقاع ) و المطرب سليمان حرفوش حفلا فنيا تضمن باقة من فنون غنائية تراثية من دمشق و حلب و حماة , وعلى الرغم من قدمها إلا أنها أطربت نفوس الحاضرين لأنها أعمال أنجزت بمهارة إبداعية وقدمت بشكل لائق , و كانت الفرقة قد ختمت بقطعة آلية ساحرة اعتمدت على الارتجال و التناوب بين الآلات. نضال بشارة |