رقصة التانغو .. تحكي قصة التمرد الأوروبي في اوائل القرن العشرين " رقصة التانغو " نص أدبي فلسفي جامع لمسرح اللامعقول ( بيكيت ) و المسرح المثالي الحكمي ( بريخت ) و الواقعي العبثي جينه و بنتر ) اختاره المخرج أسعد فضة لعرض التمرد الذي اجتاح المجتمع الاوروبي في النصف الأول من هذا القرن . لكن ما معنى – التمرد – في مسرحية – رقصة التانغو - ؟ حين لجأ المؤلف مروجك – البولوني المتأثر بمسرح بيكيت و بريخت – الى تصوير المفارقات التي أعقبت الحربين العالميتين في اوروبا – أكان في المفاهيم الأخلاقية أو في العادات الاجتماعية اعتمد اللغة الفلسفية – للتعبير عن " الهوة " القائمة بين جيل ما قبل الحرب و جيل ما بعده .. فآرثر ( يوسف حنا ) الابن الوحيد – للايانورا – ( منى واصف ) – وستوميل – عدنان بركات – يدرس الطب اضافة الى اهتماماته الفلسفية اللاهوتية و التاريخية .. اخلاقية آرثر و مثالياته الطوباوية جعلته يبدو متزمتا و محافظا أكثر مما هو عليه فهو يريد تغيير ( العالم الشرير حتى النخاع ) لكنه من أجل تحقيق هذا لا يتوانى عن تقديم المسدس لوالده كي يقتل عشيق والدته الخادم – ادي – ( عصام عبه جي ) انه يبغي الاصلاح اصلاح المجتمع و الأخلاق الفاسدة و تحقيق النظام و القضاء على – التناقض – و الفوضى و الاستهتار ... لكنها تظل أمنيات هي رهن التنفيذ فإصلاحاته ليست أكثر من تصريحات و كلام منسق أما الأفعال فيتركها لخاله – أوجين – ( احمد عداس ) فهو لا يتجاسر على قتل – ادي – كما يخشى التصريح بحبه – الللا- ( مها الصالح ) الا بعد فوات الأوان و بعد تردد مميت , انه يكتفي بالتهديد و التلويح بأنه ( رافض ) لكل ما هو اباحي و فوضوي .. وتمرده ليس الا تنفيسا عن كبته الداخلي دفاعا عن مبادئه التي سلخته عن مجتمعه الأسري لينطوي على نفسه و يضيع في دوامة التنظير الطوباوي ... ففي حين يفتخر والداه الفنانان بتحطيمهما للقيود و الأعراف الاجتماعية قبل – 25 – عاما من ولادته لا يجد جوابا سوى التنديد بأنه ( بحاجة لوالدين يخلقهما من جديد ) من هنا تأتي أحلامه المرضية و شطحاته السفسطائية التي ساعدت على نقل داء العبث اليه فاختلطت أمور في رأسه : هل الوجود و العدم واحد ؟ كيف يميز النظام عن الثورة ؟ ولماذا يعلو النظام فوق الحرية ؟ المفارقات التي ولدتها تربيته و دراسته الليبرالية جعلته أخيرا يختار شريعة الغاب حيث القوة تخلق من لا شيء وهي الممكن الوحيد في الحياة ) .. و هكذا عوضا عن الالتزام الفكري الذي أراده سبيلا للحياة يتخلى آرثر عن مبادئه ليصبح لا منتميا .. عندها يقتله – ادي – الخادم الشاهد الصامت على عجزه وعدم قناعته بالتغيير .. و النص زاخر بالنقد الأدبي و الفلسفي و الفني .. كما هو زاخر بحشد من كبار الممثلين السوريين كأميمة الطاهر ( الجدة اوجينا ) التي فجر موتها الموقف الميلودرامي الأخير , وجاء تألق يوسف حنا في الدور الرئيسي – آرثر – ليروح عن تعب المشاهد المأخوذ – بالمفارقات المثالية – الواقعية – و المشحون بعقد الذنب و الاشمئزاز التي انتقلت عدواها من خشبة المسرح الى الصالة . وكعادتها نجحت – منى واصف – في تأدية دور الأم – كما في جونو و الطاووس – اضافة الى براعتها في نقل الحركات الطبيعية للفنانة التي تهتم بالشكليات و كان دور – ادي – عصام عبه جي منسجما مع دور الأب – عدنان بركات – بحيث بدا الاثنان وجهي عملة واحدة : النوازع الفطرية و الجذور الحيوانية في الانسان – فالخادم هو بديل الزوج و الزوج رهين خداع زوجته و كلاهما – بطل – في نظر المرأة التي اختارتهما أما الخطيبة – الا – ( مها الصالح ) فهي الحلم الكاذب لآرثر و نسخة مطابقة عن الأم الاباحية و المتحررة دون أن نفهم ما معنى الحرية , ولكن اكتسبت بعض التعابير الفلسفية الطابع السياسي الا انها لم تخدم أية عقيدة سياسية متقدمة فحين تنتصر القوة يصبح التسلط و الديكتاتورية مشروعة و تتحول الحرية الى عصا غليظة في يد الأقوى .. و الأقوى هنا المخرج لأنه تمكن من اقتباس نص اجنبي فلسفي و تحويله الى مسرحية واعية عميقة المضمون واقعية المرمى .. فالهوة بين الأجيال يمكن ردمها قيب فوات الأوان بالالتزام و التنسيق المشترك بين أفراد المجتمع الواحد لبناء مستقبل أفضل . هدى انتيبا |