مسرح | سينما | دراما | مع الصحافة والنقاد | قول على قول | قيل في اسعد | قراءات | معلومات شخصية | صور شخصية | الاتصال بي


أعطني مسرحاً..

 

من تقاليدي المدرسية أن أمضي مع طلابي في البكالوريا مرة أو مرتين كل عام لحضور عرض مسرحي عربي نناقشه فيما بعد حسب العناصر الفنية التي ندرسها لهم.

 قبل أيام مضيت بهم كعادتنا – وكنا نزيد على المئة – إلى صالة الحمراء لحضور مسرحية (حكاية بلا نهاية) وهي من تأليف وإخراج الممثل والمخرج المعروف أسعد فضة.

استمر العرض ساعة ونصف دون انقطاع وحين خرجنا إلى العراء سرنا فيما يشبه مظاهرة من مظاهرات الفرح الاجتماعي ونحن نتحدث عما رأيناه. لم يكن ثمة ضرورة لأن أسألهم هل أعجبهم العرض أم لا؟ كانت البهجة الطافحة في وجوههم وكلماتهم خير جواب، غير إنني سألتهم: ماذا فهمتم من المسرحية أو ماذا أرادت أن تقول؟

كنا في الشارع تحت ليل دمشق الجميل وأنا أصغي إلى إجابات الشباب تنهمر من هنا وهناك، كانت إجابات صريحة – شجاعة – ذكية لم أكن أتصور حقاً أن تكون على هذا المستوى. قلت لهم: حسن.. هذا يكفي الآن وغداً نتابع  الحديث، ثم ودعتهم ومضيت إلى داري.

وحين اجتمعنا في المدرسة استأنفت الحديث الممتع كنت أسأل وأستمع وأعلق ويالروعة ما سمعت من ملاحظات سألتهم مثلاً: ماذا يعني في المشاهد وعلاقة كل ذلك بالتغريب وأسلوب التناول والهدف الأساسي. لماذا كانت الساحة التي قدمت عليها فرقة (الديوك)  الجوالة عروضها مليئة بالأقذار والنفايات وعند أطراف المدينة في حين امتدت وراءها لوحة كبيرة سوداء، للعمارات السكنية العالمية وقد ملأت سطوحها هوائيات التلفزيون ماذا يعني تصرف المعلمة القمعي القاسي في مشهد مدرسة الأطفال... ولماذا اختير الممثل المسمى (الخلد) – وهو الحيوان الذي يعيش عادة في أنفاق تحت الأرض – ليكون بخيلاً محتكراً للغذاء وكيف كان خطر الصراع المسرحي حسب توتر المشاهد المتصاعد. هل كان خطأ مستقيماً هرمياً أم متعرجاً لولبياً مفتوحاً على الذروة.. وفي المشهد الأخير حين كان (الخلد( يقرع الطبل قرعات عنيفة متباعدة والآخرون وهم داخل أكياس تحجب عنهم الرؤية يزحفون قفزاً على قرعات الطبل.. هل كان ثمة علاقة بين هذا  المشهد وعنوان المسرحية (حكاية بلا نهاية)؟

كان الطلاب يرون وطنهم العربي ينفتح أمامهم عبر الحديث عن المسرحية وكأنهم يتعرفون عليه لأول مرة حتى لقد قال أحدهم: سوف أعيد مشاهدتها كي أتمتع وأفهم أكثر.

منذ زمن طويل اكتشفت عظمة المسرح كفن مازال قادراً على مقاومة السينما والفيديو والتلفزيون وعلى أن يصنع بالإنسان مالا تستطيعه تلك الفنون غير أنني بعد ذلك النقاش الرائع عاودت اكتشافي من جديد ولم أتمالك من أن أردد ذلك القول المأثور: (أعطني مسرحاً أعطك شعباً).

لقد استطاع أسعد فضة ومها الصالح وزيناتي قدسية وأيمن زيدان ونجاح سفكوني وتيسير إدريس ونعمان جود وحسين نازك وعيسى أيوب، وجميع الفنانين المشاركين الآخرين أن يسهموا حقاً بصنع شيء جميل يؤسس لخلق شعبنا العربي، ويمهد للنهاية السعيدة التي ينتظرها لحكايته، الحزينة منذ قرون طويلة.. شكراً لهم جميعاً لقد علمونا وأبهجونا حقاً..