اختيار المخرج أسعد فضة لمسرحية (السعد) التي كتبها أحمد الطيب العلج – من رجال المسرح المعروفين في المغرب العربي – اختيار موفق، وإن كان في أغلب الظن اختياراً شخصياً.. فهذه المسرحية الكوميدية التي تمتح من التراث والأساطير تعطي مدلولات عصرية معقولة في خطين متلازمين: اجتماعي وسياسي.. وأحداث القصة معروفة لدى كثيرين، سمعناها في الطفولة من أفواه أمهاتنا، وهي شهيرة في ريفنا بقصة (الشيخ عصفور وزوجته جرادة).. وإذا كانت في واقعها الخام ليست أكثر من حكاية للتسلية تعتمد على المصادفات والمفارقات وأوهام السحر والشعوذة، فإن الكاتب استطاع أن يؤكد بها قيماً ومفاهيم واقعية نجدها مجسدة في مجتمعات عصرنا الراهن – كما هي في الماضي – بشكل أو آخر.. فالفقيه عصفور الذي يركن إلى الخمول متهرباً من الدائنين يفاجأ بزوجته (الجرادة) تطلب إليه الرحيل بحثاً عن سعده.. وعندما يقابله صديقه السيد عمرو ويعطيه الدراهم التي استردها من مغارة اللصوص يظن أنه وصل إلى هذا السعد، ولكنه يفاجأ بزوجته مرة ثانية تنبهه إلى أن الباشا بدأ يهدد الناس بالدمار إذا لم يعثروا على عقد ابنته الضائع، وإن عليه أن يذهب إليه ويدعي معرفة مكان العقد الذي ابتلعه غزال في القصر ورأته جرادة وهي تغسل الثياب هناك.. وتنجح الحيلة ويصبح الفقيه عصفور الرجل المقرب للباشا، وتلعب المصادفات دوراً عجيباً في إنقاذه من عدة مآزق، كما أنه يستخدم ذكاءه في مجابهة خليفتي الباشا اللذين يريدان الإيقاع به، ويكتشف من خلال وجوده في القصر أن اللصوص هم بطانة الباشا وحاشيته..ولا يشفع له هذا عند الباشا عندما يكتشف أنه كان يخدعه بإدعائه معرفة الغيب ويأمر بضرب رأسه فيمتثل عصفور للنهاية المتوقعة لكن بعد أن يطلب إلى الناس تبليغ رسالته في كشف الزيف والخداع وخيانة الشعب..
· حول الإخراج: آخذ أسعد فضة من جديد مقدرة متمكنة في الإخراج، جاءت في تحريكه الذكي للمجموعات إذ ظهر على المسرح حوالي أربعين شخصاً.. وما آخذه عليه هو برود المشهد الأول من المسرحية، نسبياً، وضعف المشهد قبل الأخير، مشهد شرب الخمرة والاستماع إلى الغناء، إذ جاء مفتعلاً، باستثناء هذين المشهدين كان في غاية التوفيق..
· حول التمثيل: تساءل كثيرون: لو لم يلعب عبد اللطيف فتحي دور البطولة في هذه المسرحية، هل كانت ستخرج؟.. الجواب محير، كما أعلم، فليس هناك بين جميع فنانينا من يستطيع أداء الدور بهذه الروعة وهذا النجاح.. مما يؤكد أن عبد اللطيف فتحي، قلنا عنه دائماً، ممثل كبير، ضاعت مواهبه سنين طويلة في مسرحيات هزيلة وغير مدروسة.. ولعلها من باب المصادفة أن تقدم في الوقت نفسه مسرحية لمحمود جبر بعنوان (شغلة فايتة ببعضها) مما كشف أمام أي راصد واعٍ لواقع مسرحنا الفرق الكبير بين الكوميديا الراقية بالمتمثلة بمسرحية السعد، وبين التهريج المرتجل في المسرحية الأخرى.. منى واصف: أضافت إلى نجاحاتها السابقة العديدة نجاحاً جديداً.. فدور (الجرادة) زوجة الفقيه عصفور دور صعب جداً، ولكن هذه الممثلة الموهوبة أدته ببراعة.. مها الصالح: في دور الغانية ياقوت. بعد دورها الذي تألقت به في (جاندارك) بدت غير موفقة كثيراً في هذا الدور.. وكان إسناده إليها من قبل المخرج اختياراً بحاجة إلى إعادة نظر، إذ أن تركيبها النفسي والجسدي، وطبقة صوتها غير الملائمة لمثل هذا الدور، أمور جعلتها تبذل أكثر من الجهد المطلوب فبدت حركتها مفتعلة..
وأشير إلى أدوار أخرى متميزة منها: يعقوب أبو غزالة في دور (الباشا) وعدنان بركات في دور (جوشن السياف) وأحمد عداس في دور (السيد عمرو) ومحمود جركس في (الحاج فضول) وياسين بقوش في دور (المادي) ونور كيالي ومحمد الطرقجي في دور (الخليفة). بقيت ملاحظة أخيرة وهي أن في المغرب العربي الكبير حركة فنية متقدمة، إن كان في المسرح أو السينما، ولعل بادرة أسعد فضة في هذا الاختيار تشجع على اتخاذ بادرات أخرى عملية في التعريف بهذا الفن المتقدم في هذه الأقطار من وطننا العربي الكبير.
جان ألكسان. |