مسرح | سينما | دراما | مع الصحافة والنقاد | قول على قول | قيل في اسعد | قراءات | معلومات شخصية | صور شخصية | الاتصال بي


كتب عبد الستار ناجي:

تحت رعاية الأستاذ عبد العزيز حسين وزير الدولة الرئيس الأعلى للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، قدمت فرقة المسرح العربي السوري عرضها الأول مسرحية – سهرة مع أبي خليل القباني – من تأليف الأديب السوري الطلائعي سعد الله ونوس وإخراج أحد عمالقة الإخراج في الوطن العربي أسعد فضة، مدير الفرقة.. وشارك في تقديم العمل حشد كبير من ألمع نجوم المسرح في القطر العربي السوري الشقيق منهم: محمود جركس ومها الصالح وياسين بقوش ورياض نحاس وبسام أبو غزالة وعبد السلام الطيب وحسين إدلبي وأميمة الطاهر وأحمد عداس وفايزة شاويش وعبد الله عباسي ورياض شحرور وعدنان بركات، إضافة إلى مجموعة أخرى من نجوم المسرح القومي.

مفاجأة في طابع النص التسجيلي وإجادة في تغيير الزمن

النضوج في أسلوب التعامل مع النص.. صرخة في عالم الحركة

·        مقدمة:

لعل المشاهد يصاب بالدهشة بالمفرطة أمام ما يشاهده من رصانة ودقة متناهية، وعمل دائب صور، من خلال رؤية إبداعية متطورة واعية، ومتفهمة، وساعية بصدق وإيمان للبحث عن وجه حقيقي للمسرح العربي الذي أصبحت عطاءاته إحدى العلامات المميزة في المجال المسرحي، رغم التعتيم الإعلامي الموجود إضافة للجهل المطبق في أسلوب التعامل والشرح والإيضاح، والتشريح المنهجي البعيد كل البعد عن العلاقات الشخصية، والغايات الهدامة، التي كانت دافعاً لاتقاء مجموعة من الفقاعات الهامشية على السطح وفي المقابل، طمست بعض العلامات المميزة في المسرح العربي، من خلال بعض الحذلقات والمزايدات الاعتباطية.

وعمل مسرحي بمثل هذه الدسامة والزخم يصعب على المرء تحليله لمدى التفاعلات الدرامية المكثفة الموجودة خلاله.

ولعل كلمات الناقد – جون كرو رانسوم – صاحب مذهب النقد الجديد عام 41 – إذ يرى هذا الناقد أن عملية تحليل بعض الأعمال الفكرية الناضجة قد تدمر العمل وتشوهه، ولهذا تصبح عملية تحليل العمل الفني عبثاً بل يصبح عبثاً كذلك أن يحاول الفنان وضع عمله في شكل خاص.

من خلال هذه الحيثية يكون المنطلق والمسعى في إيضاح الملامح الجمالية الصرفة في العمل، والأساليب المنهجية، في أسلوب التعامل لكل من المؤلف والحدث، والمخرج وكيان النص العام، وبلورته في بوتقة واحدة من خلال عدة أزمنة انصهرت في قالب عمل مسرحي إضافة للتفاعلات الشفافة بين المجموعة بكاملها، وبالتالي الخروج بعمل مسرحي متمكن، يمثل اتجاهاً جاداً للحركة المسرحية في الوطن العربي.

ما يميز هذا العمل هو التكاتف والتفاعل المنطقي بين فعاليات العمل كاملة، والتجانس بين الحس التقدمي عند الكاتب والحس الإبداعي الراقي عند المخرج في رسم الحركة.

والواقع أننا لو دققنا أكثر في أفكار سعد الله ونوس خاصة ما جاء فيها بما يتعلق بوظيفة البناء في العمل فسوف نجدها تتطابق كثيراً مع أفكار أسعد فضة فلقد أوضح الأخير أن الدلالات في النص لا قيمة لها في ذاتها إذ لا تتعدى وظيفتها خلق المواقف التي يوحدها الحدث، ولكن الارتقاء الفكري الإبداعي عند ونوس كان كافياً لخلق تركيبة حديثة رهيبة في صباغة النص التسجيلي الذي يعتبر وثيقة صادقة، من خلال روايات ووثائق لا يمكن الطعن بها، ومن خلال استلاله واستلهامه الزمن الآخر وذلك لإبراز عاطاءات وفعاليات أبي خليل القباني ولم يأت هذا الاختيار اعتباطاً، بل ليتمشى مع طابع النص، الساعي وراء الوجه العربي، في المسرح.. وهي صفة تغبط عليها المجموعة، فهذا السعي مرده الإيمان بالواقع، وثمرته علامات بارزة من الأعمال المسرحية، فهذه المجموعة إضافة لمجموعة الصديقي في المغرب والساخر في سورية أيضاً ومحمد قاسم وإبراهيم جلال في العراق.. ومجموعة الحبيب في القاهرة ومجموعة الجادة التي تفجرت في الكويت مؤخراً ما في إلا علامات بارزة في مسيرة الحركة المسرحية خلال المائة عام. أي منذ صراع أي خليل القباني في الشام للخروج (بالكميظة) أو التمثيل أو(الفرجة) إلى الناس بعد أن اجتاحت أكشاك الأراجوزات (الكركوز) بقاع الوطن العربي حتى هذه السويعات التي تقترب من أكبر تجمع مسرحي يشهده القطر السوري الشقيق سنوياً في مهرجان دمشق المسرحي.

 

·        النص:

إحدى روائع سعد الله ونوس، وإحدى فلتاته، فهو صاحب (حملة سمر من أجل 5 حزيران) التي كانت بمثابة الهذيان الحقيقي بعد النكسة وقد قدمت معظم الدول العربية كما أنها ترجمت إلى الفرنسية والإسبانية وونوس هذا يمتلك الصراحة، والخلقية الثقافية المتمكنة، التي من خلالها يغوص في عمق التراث العربي سابراً غوره  متعمقاً في بطونه مستلاً لنا منه الدرر الأدبية، والتحف الشرقية، التي جادت بها قرائح الكتّاب العرب.

وقد قدم ونوس العديد من الأعمال المسرحية منها: (الفيل يا ملك الزمان) و(صعد الدم) و(مأساة بائع الدبس الفقير) وأخيراً (رأس المملوك جابر) التي قدمها المسرح الشعبي الكويتي مؤخراً بعد أن قدمت في ليبيا وسورية و الجزائر وألمانيا بعد ترجمتها. (سهرة مع أبي خليل القباني) محاكاة لعذاب الفنان العربي، وتأكيد لقضية الصراع الأدبي بين القوى التقدمية والقوى المحافظة.. لقد صور لنا من خلال قصة أبي خليل القباني وجهده الدائم من أجل تقدم المسرح وبنائه صورة وكادراً وثائقيين عن الفترة الزمنية اللعينة من تاريخ الإنسان.