يمكن أن يقال الكثير عن أسعد فضة. فهو ممثل ومخرج ومدير للمسرح القومي. إلا أن عمله في (يوميات مجنون) يدعوني لقول شيء آخر. أن في عمله هذا درساً لي ولكل العاملين في الوسط الثقافي ومهما كانت الآراء، في النهاية في مستوى العرض. يتبين للمشاهد بسرعة أن أسعد فضة قد بذل مجهوداً كبيراً في التدريب وفي التمثيل والعرض. وهذا المجهود هو الدرس. إن غالبية الممثلين لدينا مطمئنون بشكل مرضي – بفتح الراء – مطمئنون إلى شهرتهم (طالما أن الجمهور يراهم في التلفزيون) ومطمئنون إلى عملهم (طالما أن المخرجين مازالوا يطلبونهم للعمال وطالما أن العقود تنهال عليهم للعمل مع فرق الخليج العربي التلفزيونية والمسلسلات والأموال!) لقد وصل الاطمئنان إلى درجة خطرة، لم يعد الممثل يحس بالحاجة إلى تطوير نفسه، وبذل الجهود لإتقان عمله إن الممثل يحس أنه قادر على إتقان دوره في أسبوع مهما كان معقداً أو طويلاً، المشكلة الوحيدة بالنسبة له هي مشكلة الحفظ. لكننا بالرغم من تراكم آلاف العروض المسرحية والتلفزيونية والسينمائية سنظل نذكر، طويلاً، أن عصام عبه جي هو الذي مثل دور أيوب في (العنب الحامض) وأن هاني الروماني هو طرطوف وأن أسعد فضة بطل يوميات مجنون. هذا يعني أن أسعد فضة يمثل الآن الدور الذي سيبقى في ذاكرة الجمهور طويلاً وطويلاً جداً. وهذا يعني أن أسعد فضة، الذي عمل الكثير، يحقق الآن جزءاً من طموحه وأن هذه هي الطريق الصحيحة للوصول إلى النجاح الحقيقي: العمل، العمل الدؤوب. ثم المزيد من العمل. التعلم والتثقف ثم المزيد من التعلم وما من أحد إلا ويحتاج إلى هذا العمل وهذا التعلم. إن أي فنان يمكن أن يصرح لك مدعياً التواضع، أنه ما يزال في الطريق أو في أولها.. أنه لم يصل بعد. لكن سلوكه يناقض ذلك تماماً.. إن سلوكه ينبع من إحساسه بالنجومية وإحساسه بأنه قد وصل لا يطور نفسه، لا يتعلم ولا يتدرب ولا يقرأ ولا يطلع. أسعد فضة نجح لأنه تنازل عن غرور الفنانين وقبل أن يتعلم (ليس من فواز الساجر بل من التجربة) وقبل أن يعمل بإشراف مخرج آخر (رغم أنه هو نفسه مخرج) وقبل أن يبذل مجهوداً كبيراً لا يحقق له ربحاً تجارياً سريعاً وآنياً. هل هذا يعني أن أسعد فضة هو في قمة نجاحه الآن؟ لا. إنه في أعلى نقطة في حياته حتى الآن. لكن القمة بعيدة عن الجميع. ويمكن لأي فنان أن يصل إليها بالمزيد من الجهد. أسعد فضة قد يسقط إذا أحس أنه قد فعل كل ما عليه. وقد يستمر في النجاح كما نجح في (يوميات مجنون) إذا أحس، أمام كل عمل أنه مطالب بالمجهود ذاته. أسعد فضة درس للممثلين جميعاً. لكنني واثق من أنهم لن يستفيدوا منه. فهم مطمئنون ونحن في حاجة إلى فنانين قلقين وخائفين وطامحين. أهم ما في الأمر أن أسعد فضة درس لأسعد فضة. ونحن نهنئه ونفرح به بمقدار ما ستفيده هذه التجربة للمستقبل. |