مسرح | سينما | دراما | مع الصحافة والنقاد | قول على قول | قيل في اسعد | قراءات | معلومات شخصية | صور شخصية | الاتصال بي


عيد الشحاذين

أمير في زي شحاذ... وشحاذون في زي أمراء

لا شك أن ندرة أعمال مسرحنا الغنائي رفعت النقد والنقاد إلى أكثر من مواقف التسامح وغضت النظر تجاه تلك الأعمال. ورغم تأثير المسرح تأثير مسرح (الرحبانية) الرائع تجد معظم أعمالنا وقد استعارت منها المظهر الخارجي فقط، وظلت سطحية وتجارية ومرائية.

لهذا كله لا يملك الإنسان إلا أن يتفاءل بولادة مسرح غنائي محلي وهو يشاهد أوبريت (عيد الشحادين) تأليف عيسى أيوب وإخراج أسعد فضة وألحان عبد الفتاح سكر وبطولة عدد من كبار ممثلينا وفي طليعتهم عبد اللطيف فتحي، منى واصف، مها الصالح، أحمد عداس، وأسعد فضة.

ولكن من دواعي التسامح الذي أشرنا إليه أن ننظر إلى النص كمحاولة أيوب الأولى في الكتابة المسرحية. فلا شك أن المسرح الغنائي يزداد صعوبة وتعقيداً بازدياد عناصره وتشابكها. لكن الشيء الأساسي فيه أن يبقى مسرحاً في تقنيته وبنائه الداخلي.

ومسرحيتنا قد افتقدت عديداً من جوانب هذا البناء الفني، بحيث لم ينقذها في النهاية سوى براعة وجاذبية الحوار، والطرافة والظرف في الشخصيات.

إن أياً من شخصيات المسرحية لم يعالج بعمق، كل همومها بدت شخصية وسطحية، ولم نعِ مشاكلها إلا عبر الكلام بينما كانت ترفل في الهناء والثياب الأنيقة والأحلام الوردية، إنهم شحاذون في زي أمراء، أما الشحاذون فعلاً فكانوا كومبارس المسرحية وليس أبطالها. لقد بدوا فعلاً كطبقتين متنافرتين وهم في الأساس ليسوا كذلك.

العيب الثاني أن المسرحية لم تتمحور حول أي حدث أو صراح بارز، بل كانت مجرد عرض سردي ناقد مبسط إلى حد السذاجة أن شيئاً لا يحدث طيلة الفصل الأول، كل ما هنالك أن أميراً تنكر بزي شحاذ، والفصل الثاني لا يضيف الكثير إلى عرض الشخصيات طيلة سابقه الأول، كل ما هنالك أن الأمير مكشف عن هويته ويطيح برئيس الشركة في القرية وتابعه رجل المخابرات لأنهما يسيئان استخدام سلطتهما ويشوهان صورة حكمه.

لكن الشيء الهام يكمن في النهاية الذكية للمسرحية، التي تحولها من عمل تبريري مجامل إلى عمل سياسي ناقد. بائع الكتب حمودة اعتاد أن يحمل إلى الأمير عريضة تحمل مطالب الناس ويحمل له معها سلة تين من تينة أواه عندها أيام كان مطارداً من حكم سابق، ولكن حراس الأمير كانوا يحولون بينه وبين الدخول ويسرعون منه التين. وبعد أن يصحح الأمير الأوضاع في القرية بكف يد رجاله المسيئين، يذهب حمودة بعريضة وسلة تين، لكنه يعود فارغ اليدين، لقد أكل الحراس التين وسرقوا السلة ومنعوه من مقابلة الأمير.

إن المسرحية تريد أن تقول إن الحل ليس في تغيير بضعة أفراد مستغلين وإنما في الإطاحة بالاستغلال من الأساس. والمسألة ليست في خطأ هذا أو ذاك وإنما في نهج نظام الحكم. الأمير ليس شخصية سلبية، لكنه  يضع نفسه وضعاً سلبياً عندما ينصب حاجزاً بينه وبين الشعب ويجعل بطانته يستغلون اسمه لقمع الحريات واستعباد الناس. لقد استجاب لمطالب أهل القرية وألغى عيد الشحادين، لكنه لم يعمل على إلغاء واقع الشحادة، إن العدل ليس في الكلمات ولكن في الأفعال والعدل لا يتحقق بشكل فردي جزئي بل بشكل عام شامل.

(عيد الشحاذين) عرض ممتع تنساه في اليوم التالي، لكنك ترغب بمشاهدته ثانية دون تردد إذا اقترح عليه ذلك. ولعل الجديد فيه هو غياب الشخصية المحورية التي تتركب حولها جميع الخيوط والأحداث، ويظل كل ما حولها من حبكات وشخصيات هامشياً وطفيلياً. هنا تتوزع الشخصيات بعدل المسرحية، بل إن عدداً من الممثلين الكبار يؤدي أدواراً صغيرة وهذا شيء جيد، بل ولعل هذا ساعد بعضهم على الخروج من أسار الشخصية المتكررة الواحدة.

عبد اللطيف فتحي كان رائعاً ببساطته وحيويته وقدرته على الارتجال الناجح دون أن يسرق المشهد أو يبتذل النكتة. لقد استطاع أن يجمع بين مشاعر الحزن ومتعة الضحك وإن ينقل تأثيرهما إلينا بنجاح.

منى واصف تألقت في شخصية كوميدية ظريفة لم تلعب مثلها منذ دورها في (طرطوف) لموليير لتؤكد قدرتها على التلاؤم مع أي دور يسند إليها.

أما إخراج أسعد فضة فأضاف عنصر الحيوية إلى الجانب العرضي السكوني للنص، ووظف الاستعراض توظيفاً جيداً وطبيعياً في العمل على العكس من (طرة ولا نقش) وعديد من الأعمال الغنائية المسرحية التي يبدو فيها الغناء مفتعلاً ومحشوراً في مكانه غير الطبيعي.

واستفاد المخرج من ديكور علي الحامض الناجح على وجه الإجمال وحرك الممثلين في زواياه المختلفة بنجاح ومرونة. لكن الديكور افتقد تلك اللمسة الشاعرية الرومانسية في مسرحية غنائية الطابع، ولم يبرز جماله إلا في مشهد تزيين القرية، ثم إنه لم يكن موحياً بجو قرية فقيرة تحتاج كثيراً من المطالب.

 

رياض عصمت.