مسرح | سينما | دراما | مع الصحافة والنقاد | قول على قول | قيل في اسعد | قراءات | معلومات شخصية | صور شخصية | الاتصال بي


كيف تظهر شخصية المخرج وهل يستطيع فرض هذه الشخصية

في الاسبوع الماضي كتبت مقالا حول دون جوان وقد اقترحت فيه انه كان من واجب المخرج أن يفعل شيئا ما في المسرحية لكي تستطيع أن تؤدي المهمة التي أرادها لها , فالحل الميتافيزيائي او موت دون جوان , الذي أراده موليير موقفا , بصاعقة سماوية وهو يمسك بيد تمثال حجري متحرك , ربما كان هذا الحل غير مجد أو مقنع عصريا , و قد أراد المخرج أن يرد على المقال و اتفقنا على أن نناقش الأمر نقاشا , وابدأ بسؤال المخرج السيد أسعد فضة كما يلي :

·       لماذا يختار المخرج , عادة مسرحية ما ليقدمها ؟

-         أحب أن أجيب عن نفسي عندما أختار مسرحية أحب أن تكون هادفة تعالج احدى مشاكلنا و أضع في اعتباري طبعا أن يكون النص جيدا و خادما لغرض معين .

·       هناك نوعان من المسرحيات منها ما يعرض المشكلة و منها ما يعالجها , فإيهما تعني ؟

-         أنا لا أعني أيا منهما , قد تكون المسرحية التي تعرض المشكلة او التي تعالجها , و اعتقد ان لكل نوع فائدة معينة , فعندما تعالج المسرحية مشكلة معينة يضطر المؤلف الى أن يفرض لها حلا , وقد يعرض المؤلف مشكلة ما دون أن يحلها بل يترك الحل للجمهور كل يحلها كما يريد , وهذا النوع أيضا له ميزاته .

·       ما هو موقفك من مسرحية تعرض مشكلة ما و تحلها بطريقة لا ترضيك ؟ و من مسرحية لا تضع حلا ؟ و أعني : هل تسمح لنفسك بفرض حل من وجهة نظرك الخاصة في كلا الحالتين ؟

-         بالنسبة للقسم الأول من السؤال انني أرفض تقديم مسرحية تفرض حلا لا يرضيني علما بأن المسرحية قد  تكون غاية في الجودة فنيا , أما بالنسبة للقسم الثاني من السؤال فأقول بصورة عامة أن المخرج لابد و أن تظهر وجهة نظره في أي عمل يقدمه , لكن هذه الحالة تعطيه مجالا اوسع لإبداء وجهة نظره و باستطاعته أن يفرض حلا معقولا لمشكلة تركها المؤلف دون حل .

·       اذن فمن خلال مشاهدتنا لعمل مسرحي نستطيع أن نعرف وجهة نظر المخرج ؟

-         نعم .

·       واذا كان المخرج قد التزم نص المسرحية و موقف المؤلف فهذا يعني اتفاقهما في الحل ؟

-         نعم .

·       الآن نصل الى دون جوان لقد التزمت بالنص خلال الاخراج و هذا يعني التفاؤل مع موليير في حله لظاهرة الدنجوانية .

-         نعم , مع عدم موافقتي على حلها المصطنع عن طريق موت دون جوان , وقد تسألني لماذا لم تغير هذه النهاية ؟ فأجيبك ان هذا غير ممكن لأسباب عديدة فبناء المسرحية يقوم على تحدي دون جوان للسماء , والخط التراجيدي في المسرحية قائم من هذا الصراع الذي ينتهي بحدث فاجع , وأجدني مضطرا الى القول بأن المسرحية هي نوع من المأساة الهزلية فعندما أغير النهاية كأن أجعل أحد الأخوة يقتل دون جوان أدخل شيئا غير منطقي لأن دون جوان معروف بفروسيته , زد على ذلك أن صراعه مع الأخوة لم يرد الا في مشهد صغير و الحالة التي تفرض حلا يجب أن تستمر في المسرحية بشكل خط بياني يتصاعد احيانا ويستقر ليبدأ من جديد بالتصاعد , لذلك جعل موليير الصراع قائما بين دون جوان من جهة و السماء و سغانريل من جهة أخرى , ولقد رأينا موقف سغانريل من سيده انه يعترف بإخلاصه له رغم احتقاره , ويتظاهر أمامه بأشياء يكرهها من كل قلبه , ولكنه مضطر الى المنافقة و تزييف العواطف ولا يمكن أن يكون القضاء على دون جوان عن طريق سغانريل لأن هذا الأخير يغذي وجود دون جوان الكاذب بريائه و نفاقه و جهله , لهذا رأيت أن أترك المسرحية كما هي حتى لا تفقد شيئا .

·       لماذا اخترت مسرحية دون جوان ؟ وماهي علاقتها بواقعنا ؟ وهل يرضيك , كفرد من الجمهور الحل الذي وضع للمسرحية ؟

-         قلت أنني أختار المسرحية الهادفة وقد وجدت في دون جوان هذه المسرحية , انها تعرض مشكلة قائمة في كل عصر و زمان فسغانريل يمثل المجتمع و دون جوان يمثل الظاهرة المنحرفة , وقد بينت المسرحية مساوئ كل منهما وكيف أنهما لم يستطيعا الوصول الى نتيجة بسبب مساوئهما , أما بالنسبة للحل الذي وضع للمسرحية فإنني أجده مصطنعا ولا يمكن أن نسميه حلا لأن فكرة الالحاد موجودة في المسرحية في صراع دون جوان مع سغانريل وفي دعوة دون جوان الآخرين الى الالحاد , والحل الذي وضعه موليير مصطنع كالحلول التي ترد في المسرح الإغريقي وهو القدر , وقد ذكرت لماذا لم أغير النهاية .

·       لقد ورد في أقوالك أن شخصية المخرج لابد و أن تظهر في المسرحية فأين كان ظهورك في دون جوان ؟ أقصد بالظهور طرح وجهة نظرك الخاصة أو تأكيدها ان كانت قد وردت في المسرحية ؟

-         تظهر وجهة نظري في دون جوان بوضع التفسير الذي رأيت انه من الممكن أن يخدم واقعنا كما تظهر شخصية المخرج في عملية الاخراج ذاتها و خدم التفسير الذي أراده المخرج للمسرحية , وهذا واضح في كل حركة أو كلمة من المسرحية ( دون جوان ) .

·       تقول أنك لا توافق على الحل الذي وضعه موليير , ولكنك قلت أيضا قبل فليل انك ترفض تقديم مسرحية لا يرضيك حلها ؟

-         قلت لك أن هذا الحل لا يعتبر حلا , ومن الواضح انه حل مفتعل , ولذلك عندما جعلت الشبح يظهر في الفصل الخامس سجلت صوته بصوت دونا الفيرا فالشبح و التمثال , الذي يقود دون جوان الى الموت , ليسا الا صوت الضمير الذي يلاحق هذا الانسان , الشخص الذي قتله و المرأة التي غرر بها , ولا أعتبر الموت حلا لأنه الحقيقة المجردة الوحيدة في الكون , ولا يمكن لأي حل أن يكون حقيقة مجردة بل ان كل حل قابل للنقاش , بينما الموت نتيجة حتمية لا يمكن مناقشتها , من هذا يتضح أن الحل مصطنع و يجب أن نضع باعتبارنا عرض المشكلة فقط .

·       و لكن هذه الأمور كلها واردة في النص , فعندما يأتي الشبح يقول دون جوان : " يخيل الي إنني أعرف هذا الصوت " و مشهد التمثال أيضا وارد في المسرحية , وقد قدمته تماما كما جاء في النص , وتفسير الظاهرتين على أنهما صوت الضمير تفسير ربما أراده موليير وقد يخرج به كل قارئ من خلال النص

-         ظهور التمثال وارد فعلا , أما جعل صوت الشبح هو صوت دونا الفيرا فهذا غير موجود ان ما قاله دون جوان قد يعني ان الصوت لأي شخص في حياة دون جوان كوالده أو أية فتاة غرر بها و هجرها , أما التفسير الذي أراده موليير و الذي قد يفهمه أي قارئ من خلال النص فهذا جميل جدا لأنني أكون قد اتفقت مع القراء في التفسير فماذا في ذلك ؟

·       في ذلك أن القارئ ليس ملزما بتفسير يخرج به من كتاب قرأه , أما المخرج فهو ملزم بتفسير يوافق عليه أو يطرحه في العمل المسرحي الذي قام بإخراجه .

-         أولا : ان تفسير هذه الظاهرة ليس تفسير المسرحية بأكملها وما هو الا خط يخدم الفكرة كبقية الخطوط الأخرى , واذا اختلفت أو التقيت مع القراء حول فكرة ثانوية تخدم الفكرة الأصلية فلا يعني هذا الزام أحدنا بهذه الفكرة الثانوية , ثانيا : أنني أعتبر هذه الأمور كلها ظلالا في اللوحة الكبرى وهي المسرحية .

·       اذن فأنت لم تقدم جديدا في صوت دونا الفيرا , فالنتيجة واحدة و التفسير واحد مهما كان الصوت .

-         كان من الممكن أن أجعل صوت الشبح صوتا غيبيا غير معروف , ولكن تحديد الصوت بالمرأة التي كان لها دور في المسرحية وفي الصراع مع دون جوان يؤكد وجهة نظر التي ذكرناها و يخلصنا من الغيبية .

·       ولكن الغيبية مطروحة أصلا في الشبح مهما كان صوته ولن يغير من الأمر في شيء تبدل الصوت , كما أن الغيبية مطروحة في التمثال المتحرك وفي طريقة موت دون جوان .

-         ليس هذا العالم الميتافيزيائي منفصلا عن المسرحية , انه موجود فيها و يسير معها الى النهاية انه من صلب المسرحية و يخدم واقعا محسوسا ملموسا , و أحب أن اعترض على مقالك السابق لقد قلت فيه انني كنت استعرض عضلاتي في الإخراج و انني نجحت و أسألك بدوري الم تجد في عملية الاخراج سوى استعراض العضلات ؟

·       إنني أرى ان عملية الاخراج هي عملية بعث الحياة في العمل المسرحي المكتوب مع تأكيد أو طرح وجهة نظر معينة , أما عملية بعث الحياة وحدها دون تأكيد وجهة نظر معينة أو دون أن يعني المخرج ذلك فهذا إما أن يكون سطحية أو استعراض عضلات .

-         لكنني بينت لك وجهة نظري في المسرحية و اخراجي لها كان تأكيدا لوجهة النظر هذه فما رأيك في ذلك ؟ علما بأننا قد نختلف في وجهات النظر دون أن نلغي وجهة نظر أحدنا .

·       أكرر أنك قد قدمت السرحية تماما كما كتبها موليير و بالحل نفسه و الذي أثق أنك لا تؤمن به ولا يقنعك , كما اؤكد انك نجحت في عملية الاحياء لمسرحية , وقد كنت أشك في امكانية تقديم مسرحية من هذا النوع المعتمد على الاشباح كمسرح شكسبير على مسارحنا المحلية , الا انني أعطي أهمية كبرى للفكرة التي تخدمها المسرحية , وقد ناقشنا ذلك كما وأنني لا أرى مانعا في إحداث تغيير ما في أحداث المسرحية كما يفعل المخرجون في البلاد الأخرى (كوزنتسيف في هملت )

-         لا مانع عندي من أن يتدخل المخرج في النص على أن يغني هذا التدخل النص ولا يفقره , لقد تدخلت في حوار المسرحية كما في الفصل الثالث , فقد أضفت حوارا على لسان الأخ الثائر يعطي المشهد منطقية و ينقذه من البرود كما وضعت على لسان أحد الأخوين رأيي في دون جوان ( أيكون في القضاء على من تحدى الشرائع و القوانين الانسانية و جعل من الحب رذيلة تهورا ووحشية ) كما أن موليير كان قد ترك الأخ الثائر دون كلام وهذا غير منطقي "

عزيزي القارئ هذا هو النقاش حول الاخراج المسرحي وحول مسرحية دون جوان , وحول دور المخرج في المسرحية .

ممدوح عدوان