مسرح | سينما | دراما | مع الصحافة والنقاد | قول على قول | قيل في اسعد | قراءات | معلومات شخصية | صور شخصية | الاتصال بي


الجمهورية العربية السورية

وزارة الثقافة – مديرية المسارح والموسيقى

تكريم الفنان الكبير

أسعد فضة

تحيه الى اسعد فضة

عرفت اسعد فضة عائدا من دراسته في مصر متهيئا لسفر آخر وتعميق ابعد لمعرفته المسرحيه لكنني لا اعرف ما الذي كان اكثر اشراقا واندفاعا, دراسته ام تطلعاته, ففي ذلك اللقاء الاول دهشت لحماسته وهو يسابق الحلم في شوقه للبناء ودعم كل بادرة الابداع.
فيما بعد ومنذ أواسط السبعينات اتيحت لنا لقاءات متكررة فلمست لديه هذا النزوع الخلاق لكي يُحل المتخيل الجميل محل الواقع الهزيل ولكي يتخطى الراهن الى المحتمل.
هذه الحركة بين ما هو كائن وما يجي ان يكون هي نفسها الحركة التي يعيشها أسعد فضة بين ما يجابهه واقعيا وما يتطلع اليه امكانيا.
الذين يتابعون نشاطه عن كثب يعرفون ان يتحدثو خيرا مني عن تالقه المطرد في عمله وعن دماثته البسيطة العاليه وقربه من الناس وعن ايمانه عمليا بدور الفن في الحياة والمجتمع وما اندر الاشخاص الذين يدخلون ساحة العمل العام والمؤسي على امتداد ثلاثين سنة او اكثر ويظلون مع ذلك محتفظين بتوهجهم ويظل الاعجاب بهم يتزايد على نحو فريد وتلك هي ميزة اساسيه من مزايا أسعد فضة شخصيا وفنانا, ومما يزيد في هذا الاعجاب حرصه على ان لا ينظر الى الفن بوصفه مجرد وسيلة, بل بوصفه مناخا حرا وفريدا لخلق المواقف والافكار الحيه الكاشفة والمغيرة.
فأسعد فضة يصدر في حياته ومسيرته عن ينبوع عميق ودائم التفجر وهو الهيام بالمسرح, وفي هذا الهيام نذر حياته للبحث عن المعنى الأكثر عمقا وعن الرؤيه الأكثر شمولا مأخوذا بهاجس الكشف عن الضوء الخفي وعن التوق العريق الذين يقودان الى التجاوز والى تغيير الحياة والواقع.
هكذا يبدو اطلاق اسم اسعد فضة على مسرح في مدينته امرا طبيعيا, انه تحيه في مكانها وان جاءت زمنيا متأخرة.
أحييه فرحا بهذه المبادرة, واهنئه بوصفه في آن صديقا قريبا وفنانا مبدعا واحييه على الاخص بوصفه يعيش في هذا الزحام الملتبس مخلصا لفنه واضعا اياه في الذروات التي تتخطى الحدود المباشرة لكل ما هو سياسي او ايديولوجي.

أدونيس

 

 

أسعد فضة رجل المسرح الحقيقي

تعود معرفتي بالفنان أسعد فضة إلى ما يزيد عن ثلاثين سنة في الأوسط المسرحية، وهي سنوات سمحت لي أن أتعرف عن قرب على وجوهه الفنية والأدبية المتنوعة بعد تخرجه من أكاديمية الفنون وعودته من القاهرة دخل مباشرة  المسرح القومي في دمشق بخطواتٍ راسخة إلى جانب الأسماء التي كانت لامعة آنئذ، فبرز بسرعة ممثلاً ومخرجاً. فقد لعب في مواسم القومي أدواراً متباينة لشخصيات يتطلب تجسيدها قدرات خاصة من حيث الموهبة الغنية وتمكنا من الأدوات في عمل الممثل على الدور ومن تواصله مع الشريك في المشهد، فلفت أنظار جمهور الستينات بقوة.. وفي الوقت نفسه ارتبط اسمه مخرجاً بتنوع خياراته النصية وأهميتها، سواء من المسرح العالمي أو العربي والمحلي. فقد أدرك بنظرة مستقبلية وواقعية أنه لا قيام لمسرح قومي حقيقي من دون الالتفاف إلى نصوص مؤلفينا العرب والسوريين.

إذ أن هؤلاء هم أبناء واقعنا وبيئتنا ولغتنا، وهم الأقدر على إبراز قضايا مجتمعنا وخصوصية إنساننا، فركز أسعد في أثناء عدة مواسم على المسرح العربي، من دون أن يهمل في هذا الموسم أو ذاك عملاً فنياً مهماً على مستوى الشكل والمضمون معاً، وكان المهم بالنسبة له دائماً في خياراته أن يمتلك النص حكاية قوية متينة البنيان، فالحكاية هي روح المسرح وقوامه. وجاءت المفاجأة في منتصف الثمانينات عندما أخرج نصه المسرحي الوحيد بعنوان نرى المغزى الجلي (حكاية بلا نهاية).

وعلى الرغم من تنوع هذه التجارب حتى ذلك الحين إلا أن أسعد فضة يبقى في ذاكرتي البصرية ممثلاً مقتدراً راسخاً على الخشبة وفضائها، في مونودراما (يوميات مجنون) بإعداد سعد الله ونوس عن قصة نيكولاي غوغول، وبإخراج فواز الساجر في المسرح التجريبي، إن قبول أسعد فضة الممثل والمخرج الكبير بالعمل بين يدي مخرج شاب والخضوع لمخيلته، كان أبرز جانب تجريبي حقاً بالمفهوم المسرحي البحت في هذا العمل الذي لفت الأنظار وأثار كثيراً من النقاش الفني حوله. وأنا أرى في هذا دلالة واضحة على إحدى الميزات المهمة في شخصية أسعد فضة الفنان في وظيفته مديراً للمسارح والموسيقى لسنوات طويلة، وهي تشجيع المواهب الشابة على صعيد الكتابة والتمثيل والإخراج، بل وحتى على مستوى الفنيين في مختلف مكونات العرض المسرحي.

 

لقد كان يغامر ويراهن وفي أغلب الحالات مراده ينجح، انطلاقاً من نظرته الثاقبة في تقييم إمكانيات الآخر وهذا الجانب يعيدني إلى عمله مدرساً مقرر التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية الذي شارك في تأسيسه منذ عام 1976 والذين تخرجوا بإشرافه هم حالياً من ألمع الممثلين وممثلات المسرح والسينما والتلفزيون في سوريا والوطن العربي.

لقد كان أسعد فضة بقيامه بهذه المهمة الصعبة والبالغة الحساسية مدرساً ومدرباً ومربياً وأخاً كبيراً لطلبته في الوقت نفسه، زرع في نفوسهم احترام أخلاقيات فن التمثيل مهما كانت ظروف العمل فالمسرح في رأيه حب وفهم وعطاء من أجل إسعاد الآخرين والدخول معهم في حوار إنساني هدفه الترقي الفني والتفتح الفكري والسحر الروحي.

صحصح أن الانشغال بالعمل الإداري لسنوات طويلة، مديراً للمسارح والموسيقى، ونقيباً للفنانين، والتحول نحو التمثيل التلفزيوني قد أخذه بعيداً عن ممارسات مواهبه الأصلية ممثلاً ومخرجاً في المسرح إلا أن موهبته الإخراجية أي امتلاك النظرة الشمولية لمكونات العمل الفني لازمته في عمله الإداري أيضاً، مديراً لمهرجان دمشق المسرحي، ومهرجان بصرى ومهرجان المحبة، من حيث توزيع المهام بدقة ومتابعة تنفيذها حتى بلوغ أفضل النتائج. فقد كان يمتلك الهدوء المطلوب القادر على استيعاب المشكلات الطارئة والعمل على حلها بسرعة وإتقان في الوقت نفسه وذلك بحسن إدارة شركائه في العمل وإذا أردنا إيجاز القول في شخصية الفنان أسعد فضة فهو بحق رجل المسرح الذي يحب الفن بقدر ما يحب الحياة.

 

أ.د. نبيل الحفار.

دمشق 5/12/2005

 

 

 

 

 

 

 

 

أسعد فضة العلامة

التحق أسعد فضة بموكب الفن السوري المعاصر في الزمن الذي كان فيه المسرح يحاول أن يلملم أوراقه المتناثرة ليجمعها في كتاب ينضم إلى موسوعة الفنون التي ابتدأت الدولة برعايتها واحتضانها لتثبت أنها الشريك الأقوى في حياكة النسيج الثقافي السوري.

وكان شباب أسعد فضة المتوقد بالحيوية والرغبة ونشوة الفن قد أسفر في البداية عن تألق حضوره في المسرحيات الأولى التي أدى فيها دور البطولة أو أنه قام بإخراجها على حدٍ سواء، فكان بذلك يلعب دوراً لافتاً في بناء المسرح الحديث مما سيحفظ له مع أقران كانوا معه شرف تمثيل الدراما بشكل لن يغيب عن الذاكرة، بل إن أوراق المسرح السوري ستذكر دوماً قيمته المكملة لمرحلة التأسيس الجادة، وقد كانت في البداية تتهادى ببطء إلى أن قويت خطوتها في العقد السادس من القرن العشرين.

وهكذا اشتعلت حماسة أسعد فضة لفن الدراما عندما بدأ باستكمال مشواره في خطين من حياته، خطان توازيا في استكمال بناء تاريخه الإداري التنظيمي ونشاطه الدرامي، فقد شغل الفنان إدارة مديرية المسرح والموسيقى في وزارة الثقافة لسنوات طويلة كما لعب في تلك الفترة دوراً كبيراً في رفعة المسرح السوري، وعندما تحول أخيراً إلى إدارة نقابة الفنانين توج بها نشاطه الإداري، وقد كان في الحالتين نموذجاً متفهماً في بناء جسر التفاهم بين كتلة الفنانين والهيكل الإداري الناظم لمسيرتهم ونشاطاتهم.

ويوم مدت له الدراما التلفزيونية ذراعيها لتوقعه في أحضانها، أصبح واحداً من ألمع وجوه الشاشة الصغيرة، كما أن الشاشة الكبيرة طمعت لأكثر من مرة أن كون لاعباً فيها. وهكذا تحول أسعد فضة في العقود الأخيرة إلى نجم يشع في سماء الفن العربي ليحقق مع نجوم  آخرين حضوراً للدراما التلفزيونية السورية على المستوى العربي نستطيع أن نفخر بها بعد أن وصلت إلى حدود المنافسة القوية.

ولا بد في هذه المناسبة من القول أن أسعد فضة أصبح اليوم جزءً من لوحة الفن السوري وبخاصة ما يتعلق بها من ألوان الدراما المشعة فيها، فكان التحامه بها تأكيداً على قدره الذي رسم له.

ويذكرنا أسعد دوماً ببوادر الصعود المسرحي متمثلاً بكتاب مثل سعد الله ونوس ومخرجين كفواز الساجر وغيرهم من رحلين ومقيمين بيننا، فكأنه في حضوره القوي في المشهد الثقافي يشكل إيقاظاً لذاكرتنا التي تحتفظ بالإعجاب والمحبة لأولئك الذين غرسوا في تربتنا خصوبة الإبداع المسرحي الذي يعد بآفاق جديدة. فهل بات أسعد فضة لوحة ارتسمت عليها أجمل الذكريات واستنهضت ماضينا القريب الذي سيؤسس لفعالية مستقبلنا القادم؟... ونستطيع القول أيضاً أن أسعد فضة بات علامة تدل على رفاق طريق تعيده ثقافتنا الإبداعية لتمشي عليها الأجيال المتعاقبة، وأن بالجهد والمثابرة لعب دوره في شق ذلك الطريق. ويقودني الاعتراف إلى أن هذه الفنان أخضعك إلى حبه واحترامه، فرقة تعامله مع الآخرين تذكرك دوماً بالشهادة الأولية (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، وما أظنه إلا بمستطيع أن يجمع في ذاته وجهين كعملة نعتز بها لأنها تغني مخزوننا من الثقافة التي باتت أمنية لنا نضعها أمانة عند كل مبدعينا وصانعي ثقافتنا مدعاة سعينا نحو اتساع رؤيتنا للزمن القادم.

                                                                             وليد إخلاصي.

  

أسعد فضة فنان عشقه المسرح

لعل الأجيال الشابة تعرف الفنان أسعد فضة عبر التلفزيون أولاً، وعبر السينما ثانياً. أما الأجيال الأكبر سناً فتعرفه على المسرح ممثلاً ومخرجاً. وتعرفه – وهنا دوره الكبير – واحداً من الذين رسخوا فن المسرح في سورية وفي الوطن العربي.

ففي عقد ستينات القرن العشرين كان المسرح القومي في دمشق يحول المسرح من ظاهرة فنية طارئة ومعرضة دائماً للتوقف، إلى حالة اجتماعية ثابتة القوة والاستمرار. كما بحوله في الوقت نفسه من (الهواية) القائمة على الموهبة إلى (علم) ثابت الأركان. وقد قام بهذه المهمة جيل من الممثلين والمخرجين الذين درسوا المسرح في معاهده وجامعاته ثم جاءوا ليضعوا ما تعلموه في تضاعيف العمل المسرحي. لكنهم لم (يطبقوا) ما تعلموه، بل (طوعوا) الأصول التي درسوها إلى طبيعة الذائقة الجمالية العربية، ووضعوها في خدمة الآفاق الاجتماعية التي كانت محور التقدم حتى يصبح فن المسرح داخلاً في نسيج الحياة العربية وجزءاً من الثقافة العربية لا يمكن الاستغناء عنه. وكان أسعد فضة واحداً من هؤلاء الأفذاذ الذين قاموا بهذه المهمة. فحينما كان يقف على خشبة المسرح ممثلاً، لم يكن يتقن أدواره بفنية عالية فحسب، بل كان يجعلك تشعر أن فن التمثيل ليس فناً غريباً عنا، بل هو فن أصيل في تربتنا وثقافتنا العربية.

وأعتقد أن هذا الجانب في أداء أسعد فضة ممثلاً على المسرح هو الناحية الأبرز فيما أنجزه ذلك الجيل الشامخ من الممثلين. ومن هنا جاءت أعماله متقنة أشد الإتقان فناً وأداءً، وبليغة التأثير في الجمهور ثقافةً وتثاقفاً. ولعل ذلك نابع عن موقف فكري يسبق العمل الفني وهو أن المسرح لم يكن يقدم بغاية تقديم الفن فحسب بل بغاية المساهمة في مناقشة أوضاع ومشاكل الأمة العربية.

لكن هذا الجانب العام الذي يشترك فيه أسعد فضة مع غيره من أبناء جيله بتفرد فيه بأسلوبه الخاص الذي كان يؤدي بواسطته أدواره. وهذا الجانب الخاص المتفرد يقوم على حضور قوي له على خشبة المسرح، وبقدرة كبيرة على إقناع المتفرج بالشخصية التي يؤديها. وأذكر أنني كتبت مقالاً عن مسرحية (زيارة السيدة العجوزة) التي أخرجها علي عقلة عرسان – وهي من تأليف دورينمات – وقلت في ذلك المقال إن أغلب الممثلين كانوا يؤدون أدواراً لشخصيات أكبر منهم في السن. فكان شبابهم يغلب على شيخوخة الشخصيات، ما عدا أسعد فضة لشاب الذي أدى دور رجل عجوز فجعلنا نعتقد أننا أمام رجل هرم. وهو إلى تأديته الرائعة للدور كان يضفي على العرض كله نفحة من القوة بصوته القوي المتوازن الواضح، وبتكوينه الجسدي المدروس. ومازلت حتى اليوم أذكر دوره في (جان دارك) وغيرها من شوامخ المسرح القومي في تلك المرحلة. وأذكر بكل الافتخار دوره المتميز في (المجنون) وهي أول مونودراما تقدم في المسرح السوري. وبذلك شق أسعد فضة الدرب لهذا الفن الجديد في المسرح العالمي كما هو جديد في المسرح العربي.

 

أما أسعد فضة المخرج فقد كان ينطلق من الأسس الفكرية والفنية ذاتها التي ينطلق منها ممثلاً. فبالإضافة إلى بناء العرض المسرحي المتكامل المتقن، كان يصوغ العرض بطريقة تخاطب الذوق العربي والعواطف الإنسانية التي لا بد أن تتلون بألوان البيئة والمجتمع والمرحلة رغم أنها عواطف عامة يتشارك فيها الناس جميعاً. ولعل مسرحية (السعد) التي أخرجها في منتصف سبعينات القرن العشرين تعد واحدة من شوامخ ما قدمه المسرح القومي. أما مسرحية (الملك هو الملك) التي أخرجها في أواخر ذلك العقد فكانت واحدة من أجمل العروض التي قدمت في مهرجان دمشق الثامن عام 1979.

إن هذا الرجل يمتاز – كإنسان – بالروية وطول الأناة. فإذا حاولت إغضابه فإنه يتلقاك بالحلم الذي يحول غضبك إلى رضا. وبهذه الأناة كان يشتغل على أدواره ممثلاً وعلى عروضه مخرجاً. فإذا أضفنا إلى ذلك أن ظل يدير الحركة المسرحية السورية طوال ما يقرب من ربع قرن في مديرية المسارح، أدركنا دوره الكبير في تأثيره على المسرح السوري. فإذا أضفنا إلى ذلك أيضاً أن المسرح السوري ترك بصماته على المسرح العربي من خلال مهرجان دمشق للفنون المسرحية، أدركنا مدى التأثير الذي تركه أسعد فضة على المسرح العربي.

إنني أحيي أسعد فضة في يوم تكريمه رجلاً قدم الكثير للمسرح، وإنساناً احتوى الأجيال الشابة التي تتالت على خشبة المسرح السوري. وبكلمة موجزة: إنني أعتز بصداقة أسعد فضة كما يعتز بها الكثيرون.

         

                                                                             فرحان بلبل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أسعد فضة

قامة فنية باسقة

جذورها ضاربة في العمق

وظلالها تنثر على الأرض...

ارتساماتٍ إبداعية حقيقية

أسعد فضة

بروحه المسكونة بالفن

وبقلبه العابق بالدفء

كان أستاذاً علمنا

ومخرجاً أدهشنا

وممثلاً أتحفنا

أسعد فضة

كان وسيظل..

مثلاً يحتذى

وسيل عطاءٍ لا ينضب

                                                                                      من طلابه

                                                                                      أيمن زيدان

 

 

 

 

شهادة الفنان أسعد فضة

مر الآن حوالي ثمانية وعشرون عاماً على ذلك اليوم المصيري بالنسبة إلي يوم دخلت إلى خشبة مسرح القباني أمام لجنة القبول لانتقاء الدفعة الأولى لطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية المنشأ حديثاً. كان في تلك اللجنة  رجال تركوا بصماتهم واضحة على الحركة الفنية والثقافية السورية، منهم المخرج والمربي المسرحي الراحل فواز الساجر، وأستاذنا الكبير صلحي الوادي الذي لم أر لإيمانه بما يفعل مثيلاً، والذي لولاه كشخص لما كان للموسيقى الكلاسيكية في سوريا المكانة التي لها اليوم، كذلك كان المربي والأستاذ أديب اللجمي الذي كان مثالاً رائعاً للأستذة الكلاسيكية بعلمه وسعة إطلاعه ونظرته الأبوية للطالب، تلك النظرة التي ميزت الأساتذة الكلاسيكيين الكبار ومع هؤلاء الممثل والمخرج المسرحي الكبير أسعد فضة. تخيل أنك تريد أن تؤدي مشهداً أمام كل هؤلاء وتقنعهم بنفسك كفنان، أو مشروع فنان يستحق منهم أن ينفقوا أربع سنوات من تعبهم وعمرهم عليك، إنها مهمة صعبة لا شك.

المهم بعد أن أديت مشهدي بالدفاع الخائف الذي ألقى الخوف وراءه وراح يندفع ذات اليمين وذات الشمال كالأعمى، ران صمت طويل نسبياً وكنت استرق نظرات سريعة إلى وجوههم علي آخذ نتيجة أو انطباعاً ما. كان الجميع ينظر إلي ولأوراقهم كلاعبي البوكر دون أي تعبير يمسكني ولو رأس الخيط كما يقولون ثم قطع الأستاذ أسعد فضة الصمت وقال لي ما آخر مسرحية قرأتها؟ فأجبت مسرحية برخت السيد بونتيلا وتابعه ماتي، فسألني: هل ترى أي تقاطع بينهما وبين الملك هو الملك لسعد الله ونوس؟ فأجبت، فابتسم.

هذه الابتسامة كانت الإشارة الوحيدة التي خرجت بها من القاعة لتعطيني الإحساس بأنني قد أقبل في المعهد. أسعد فضة كان واحداً من قلة آمنوا بضرورة إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية وكان لإيمانه هذا الدور كبير في إنشائه، الذي انعكس على الحركة الفنية السورية بصورة لا نستطيع اليوم أن نراها دون المعهد لقد غير هذا المعهد حياة جيلين من الشباب السوري الذي أراد أن يدخل مملكة فن التمثيل بشكل أكاديمي، ومازال يقوم بدوره.

لقد  قضيت مع زملائي عند أستاذنا أسعد فضة أربع سنوات من الدراسة كان فيها مصدراً كبيراً للثقة والحب لكل واحد منا. كان يحتمل مشاكساتنا وفورات الشباب فينا. كان ممثلاً كبيراً واسماً علماً، وكنا طلاباً مغمورين في معهد التمثيل نحب أن يرى أستاذنا أننا مختلفون عنه ولنا شخصيتنا الفنية وطريقتنا، وكان يقبل ذلك برحابة صدر كان دائماً يقول لا أطلب منك أن تفعلها بطريقتي، افعلها بطريقتك ولكن بإتقان. كان يحب الاجتهاد ويشجعنا عليه ويكره أن يحبط أياً منا مهما كان أداؤه متواضعاً. حتى إننا كنا نأخذ عليه أن يقبل من بعضنا نتائج كان من المفترض أن يوبخنا عليها.

كان الأستاذ أسعد رجلاً صبوراً ولعله كان يعمل بالقاعدة التي تقول يمكنك أن تنمي الموهبة عند صاحبها ولكنك لن تستطيع أن تمنح الموهبة لأحد. كان أستاذاً مهاباً دون أن يكون مخيفاً أو مرعباً بالعموم كنا جيلاً محظوظاً من طلاب المعهد إذ تتلمذنا على يد أساتذة كان لهم تاريخهم الفني. لم يحدثونا عن أشياء لم يستحقوا هم أنفسهم فيها كانوا أصحاب خبرة وتجربة كبيرتين. عرفوا معنى النجاح ومعنى الفشل، خاضوا معاركهم مع آرائهم وطموحاتهم وجمهورهم ونقادهم.

لم يكونوا فقط أهل كتب ونظريات لأن هذه وحدها لا تصنع لا ممثلاً ولا مخرجاً. عندما كان الأستاذ أسعد فضة يتكلم في أمر ما أو يعطي ملاحظة ما كان المتحدث بالنسبة إلينا هو الفنان الذي أخرج (الملك هو الملك) و(سهرة مع أبي خليل القباني) و(حرم سعادة الوزير) و(الإخوة كارمازوف) و(التانغو) وعمل تحت إدارته كبار الفنانين في سوريا، ومثل أدواراً رائعة في السينما والمسرح والتلفزيون. لم يكن آخرها ذاك الأداء الرائع في مسرحية (يوميات مجنون) من إخراج الراحل فواز الساجر وكانت آخر ما شاهدناه له على المسرح قبل أن نصبح طلبته.

لقد شاءت الأيام أن أخوض بنفسي تجربة التدريس وأعرف جيداً حجم الجهد والمسؤولية التي تترتب على عاتق الأستاذ دون أن يشعر أحد بذلك أو ينال عليه مديحاً أو تكريماً مادياً أو معنوياً وكان بإمكانه بنصف هذا الجهد والوقت أن يصنع لنفسه مجداً شخصياً يراه كل الناس ويتحدثون عنه. ولكنني أعرف أيضاً أن من يقوم بهذا العمل إنما يفعله لأنه يحبه ويحب أن يمنح ما عنده من علم وخبرة للآخرين، لا ينتظر في مقابل ذلك شيئاً ربما ينتظر كلمة شكر.

 

                                                شكراً أستاذ أسعد وشكراً للزمن الذي جمعنا مع طلاباً لك.

                                                                    جمال سليمان

                                                                  9/12/2005