دمشق- من مرعي عبد الله: كل شيء فني في سوريا الشقيقة يتقدم ويتطور ابتداءً من السينما التي يجري فيها الآن تصوير خمسة أفلام دفعة واحدة، ويكاد يكون نصف نجوم القاهرة موجودين في دمشق، وانتهاء المسرح النامي المعافى الذي بدأ يأخذ شكله السليم. وإذا كانت حركة العمل السينمائي الناشطة هذه الأيام تعطي الدلالة على التقدم والتطور اللذين نعنيهما، فإن الشعار الذي تبنته (اللجنة العليا لمهرجان دمشق الرابع للفنون المسرحية) هذا العام يعطي الدليل الآخر: § لكي يستطيع المسرح أن يكون أداة تغير وبناء، لا بد من أيكون مرآة للمجتمع الذي يحيا فيه. مرآة لا تكشف ما هو عابر وهامشي في حركة المجتمع وقضايا، وإنما تنفذ إلى الأعماق، فتكشف التيارات الأصلية، ومطامح الشعب الحقيقية، لكي تغني بعدئذ إمكانية التقدم وتجاوز الواقع. ولن يستطيع المسرح العربي أن يحقق هذه الغاية إذا بقي تجربة معزولة، تختنق بإقليميتها وهمومها الصغيرة، فالحوار وتفاعل التجارب، والبحث المشترك، هي السبل الحقيقية لظهور مسرح عربي ذي ملامح واضحة، يستطيع أن يغير وأن يكون طاقة تقدم وبناء في وطننا العربي.
مسرح الشوك.. الانتقادي: وغير المسرح القومي، فإن (مسرح الشوك) آخذ في الانتشار والتوسع الجماهيري. وهو مسرح أشبه بمسرح (الساعة العاشرة) الإنتقادي الساخر.. وقد قدم حتى الآن عرضين هما (مرايا) و(جيرك).. والعرض الأخير شاهده اللبنانيون في العام الفائت عندما قدم على مسرح الكابيتول ولقي النجاح (تمثيل دريد لحام ونهاد قلعي).. وحالياً يستمر منذ 6 حزيران الفائت تقديم العرض الثالث لمسرح الشوك على مسرح القباني (براويز) وهو من إخراج أسعد فضة (مدير المسرح القومي) وتأليف عمر حجو (مبتكر المسرح الإيمائي وموظف في المسرح الجوال الذي يديره أحمد قنوع) وتمثيل: طلحة حمدي وعدنان بركات وعمر حجو وياسين بقوش وأحمد قنوع وعبد السلام الطيب وأحمد قبلاوي وعلي التلاوي ونبيل خزام وعبد الله عبدو ورجاء ياسين. ويضم العرض الجديد (براويز) مجموعة من اللوحات الكوميدية النقدية لشتى مظاهر الحياة في سوريا.. وبالذات لمجالات الشكاوي المرة التي يعاني منها السوريون والوقائع الحياتية السلبية كالإرهاب السياسي والانتهازية والفوضى والتضخم الإداري وغيرها (مما يضحك ويبكي، ويجرح ويداوي، ويفضح ويعري) على حد تعبير المؤلف عمر حجو (صاحب نشاط معروف في التلفزيون) الذي يقول: § بالكلمة والحركة يرسم مسرحنا (الشوك) صوراً نحن أشخاصها، ومجتمعنا خلفيتها، وآلامنا أطرها. وقد حرصت في (براويز) أن يتم تطابق مرجو بين ما أحس به ككاتب وبين ما يحس به الآخرون الذين لا يجدون وسيلة للتعبير عن أحاسيسهم. حرصت أن يكون لساني ناطقاً بما يجب أن يقال.. معبراً عن رغبة في البناء والمساهمة في ترسيخ خطوات المسرح الجاد في قطرنا. وأعتقد أن (براويز) وثبة جديدة في تاريخ مسرح الشوك وأهم ميزاتها الاتجاه نحو التعميم والشمول والابتعاد شيئاً فشيئاً عن الخصوصيات والجزئيات والأوجاع العارضة. وقد أردت أن يكون هذا العرض على مستوى الوطن الكبير منطلقاً من الفكرة القائلة أن فضح السلبيات إشادة بالإيجابية، ودعوة واضحة إلى تبينها آملاً أن يكون بإمكان هذا العرض أن يظهر بصدق أين نحن وأين يجب أن نكون؟ إن النماذج المريضة التي أسقطت عن وجوهها الأقنعة في هذا العرض نماذج حية تعيش بيننا، وتحاول جاهدة أن تفرقنا في مزيد من التخلف ينفس الوقت الذي نحاول فيه أن نحرز مزيداً من التحرر والتطور!.
المواضيع مستهلكة ولكن... ورغم أن بعض المواضيع التي طرحها عرض (براويز) قد عولجت من قبل في عرضي (مرايا) و (جيرك)، إلا أن المخرج أسعد فضة لم يتبع أسلوب الخطابة المباشرة التي تثير الملل، بل ارتكز على الفكرة نفسها كوسيلة لإضحاك الجمهور، فجاء أداء الممثلين بسيطاً سلساً لا (مرجلة) فيه ولا عضلات.. ويبدأ المخرج أسعد فضة تقديم عرضه بوضع قناعين كبيرين لحمارين على جانبي الخشبة.. ثم يطل المخرج نفسه على الجمهور ليقول أن نجاح العرض يعود لجهوده.. ويبرر لماذا بأسلوب مرح مقبول.. ثم يتبعه المؤلف (عمر حجو) لينسب النجاح لنفسه بعد أن يلعن نفسه مؤلفاً عاماً، مسرحياً وتلفزيونياً وإذاعياً، في كل المناسبات، وخاصة المناسبات القومية.. ويرفض بشدة منطق المخرج ويؤكد أنه وراء النجاح ويطلب (بروزته) .. وأيضاً في أسلوب جيد ومقبول.. وبعدهما يخرج الممثلون يطلبون (البروزة) لأنهم وراء نجاح العرض.. ويضرون على تقديم أنفسهم من خلال البرواز وإلا فإنهم سيقاطعون العمل.. ويوافق المخرج والمؤلف على طلبهم.. و(البرواز) هي الصورة الرسمية السياسية والاجتماعية التي تتحرك في إطارها كل نماذج العرض.
المخرج يتكلم... وأسعد فضة الذي درس الإخراج المسرحي في المعهد العالي بمصر لمدة 4 سنوات ثم سافر إلى فرنسا للإطلاع لمدة سنة، أخرج حتى الآن عشر مسرحيات للمسرح القومي هي: (الأخوة كرامازوف) و(دنجوان) و(لكل حقيقته) و(عرس الدم) و(السيل) و(التنين) و(الملك العاري) و(دخان الأقبية) و(الغريب) و(السعد).. كما مثل في بعض هذه المسرحيات وفي غيرها من إخراج غيره مثل (موت بائع متجول) التي أخرجها محمد الطيب، وفي (زيارة السيدة العجوز) لعلي عقلة عرسان وغيرها. وأسعد فضة يؤمن بضرورة إغناء الحركة المسرحية السورية الذي يأتي من تنوع الأشكال المسرحية وممارسة الأساليب المسرحية المتنوعة للتعبير عن الرسالة التي يبغيها أهل المسرح من ممارستهم للعمل. وعن تجربة مسرح الشوك يقول المخرج أسعد فضة: § أهمية مسرح الشوك تأتي بشكله وأسلوبه المتميزين اللذين يغنيان الحركة المسرحية، وبالمضمون الذي يعالج الخطأ ليساهم في عدم تكريسه، إذ لا شيء أخطر من السكوت عن الخطأ، لأن السكوت عنه يساعد على تكريسه واستمراره. وأهمية الدور الذي يلعبه مسرح الشوك تأتي من معالجته للأحداث اليومية وكشفه للأخطاء بفرقعة بالونات الهواء الفاسد التي تأخذ أحجاماً في مناخ حياتنا، قبل أن تزداد وتتسع لتنفجر فجأة في يوم من الأيام وتفسد كل شيء.
قضية الحزبية: ويبلغ مجموع اللوحات الكوميدية النقدية حوالي 15 لوحة، تعتبر أطولها وأنضجها تلك التي تعالج قضية الحزبية والانتساب للأحزاب من أجل الحفاظ على الوظيفة والأمن. فيحكى أن رجل (ياسين بقوش) قصته مع كل الأحزاب منذ الاستقلال حتى الوقت الراهن.. ويجد المؤلف مخرجاً لا يعرضه للفترة الحالية، فيقول الرجل: (إنه لم يعد بحاجة للانتساب إلى حزب، لأنه أحيل على الاستيداع وليست هناك ضرورة بعد الآن ليكون حزبياً) وفي لوحة أخرى يروي المؤلف قصة عذاب رجل يضرب بوحشية (في مبنى الشرطة) بالنيابة عن شخص آخر لمجرد تشابه الأسماء.ويستخلص المؤلف من الموقف حكمة شعبية تقول: (عمرها العصاية ما دامت بأيد اللي ماسكها) وفي لوحة أخرى، يوقف شرطيان أحد المهربين الكبار على الحدود، ويصران على تفتيشه وتوقيف سيارته.. وبدلاً من أن يصبح المهرب هو المتهم يتولى هو اتهام الشرطيين، ومساءلتهما لأنهما – على حد تعبيره – أخلا بأحد شروط اتفاقه الموقع مع رئيسهما الذي باعه حق المرور على الطريق، ويستدعي المهرب رئيس الشرطة الذي يتولى هو الآخر توبيخ رجاله. ويختم العرض بلوحة لسيارة يقودها أكثر من سائق، وتتعثر كلما بدأت المسير ويقرر قادتها وركابها أن يتشاوروا ليصلوا إلى حل.. وتجري المشاورات التي تترامى أصواتها كطنين الذباب، وتنتهي فجأة ثم تبدأ العربة في التعثر من جديد، لا جدوى ولا أمل.. لأنهم لا يوافقون على تسليم القيادة لواحد منهم لعدم ثقتهم ببعضهم.. ومشاهد المسرحية التي تبدأ حين يقرر حماران دخول عالم البشر لاكتشافه، تنتهي بأن يخرج الحماران بحكمة مفادها أنه من العار على الإنسان أن يعيش عيشة الحمير.
|