مسرح | سينما | دراما | مع الصحافة والنقاد | قول على قول | قيل في اسعد | قراءات | معلومات شخصية | صور شخصية | الاتصال بي


(حكاية بلا نهاية) للمسرح القومي:

هل يتفق تعدد الهدف مع عمق الفكرة وقيمتها؟

في موسمه الحالي يقدم المسرح القومي، مسرحية (حكاية بلا نهاية) على مسرح صالة الحمراء، وهي من تأليف وإخراج أسعد فضة. نحن في المسرحية أمام هجوم هجائي شديد على معالم الواقع الذي نعيشه، من نقص فيه وشروط مذلة لإنسانه، في أكثر حالات هذا الإنسان اندحاراً وسلبية.

 

·        فكرة المسرحية:

ومن أجل تشخيص النقائص فإن العلاج ينطلق من الإنسان الذي تعبر عنه في علاقاته وأوضاعه، مجموعة (الديوك)، فرقة (الديوك): خمسة أشخاص من ذوي أسماء معبرة، تدور كلها في فلك العجز الإنساني، والمرارة والخيبة الحياتيتين، (شمس النهار) و(عياط) و(شكى بكى) و(الخلد) و(عصفور) وبرغم هذا الأسماء المتباينة والمختلفة فإن ثمة شيئاً واحداً يجمعها معاً، وهو قوة الامتثال إلى واقع الحياة السلبي، المدمر للشخصية مهما كان اسمها ومهما كان وصفها.

وبداية المسرحية هي خارج الصالة، ونهايتها أيضاً لا وجود لها. فهي بلا بداية ولانهاية وإنما فقط، لقطات مفصلة عن حالة الإنسان الاجتماعي، الذي تعود النشاط السلبي والإحجام.

ومن موقع ما، ذاتي، تحريضي، يجري انتقاد المألوف بلا هوادة، السخرية منه، الغضب عليه، إنه ذلك المألوف المعاش من الظلام والضبابية والجوع والصراخ والثرثرة، وكل هذه فروضات تجعل إنسان المجتمع مجرد عبث، لا جدوى من حياته الحقيرة على هذه الشاكلة، رغم أنه كثيراً ما لا يدرك كيف هو الحال بالنسبة إليه، بل مازال يتلقى كل ما دبر له وحيك لأجله وهو غير آبه بقيمة الفهم الخاص لما اعتاد عليه.

ويبدو، حسب المسرحية، إن كل شيء مهما بدا جدياً يكاد يدعو للسخرية، وهكذا تتداخل الأفكار والمفاهيم، ويتطاول اللعب على الجد، لتغيب الفواصل المحددة لكل حالة، صورة، حقيقة، ومن ثم لتمحي الأجزاء السريعة، والمعبرة وكذلك منها شديدة الأهمية، ولتستوي في كل شعوري، يصاغ عسفاً بطريقة  مؤسفة والأهم في هذه المسرحية، والتي سجلته عن جدارة هو أنها عالجت أكثر الأشياء والقضايا التصاقاً بالهم اليومي والحالة المتكررة بشكل جعلها تبدو وكأنها تحصل لأول مرة أمام صالة المتفرجين.

الجوع مؤلم، يجعل الإنسان يتخلى عن إنسانيته في سعيه وراء اللقمة!! هذا صحيح، غير إن الطرح الاحتفالي الخاص أعاد رونق الغرابة للمشكلة، وطابع الدهشة الذي فقدته! أخلاق تعسة مفروضة، محفوظة عن ظهر قلب لا يعلم الأغلبية مآلها من أين وإلى أين، أصلها غائم وواقعها مزيف، ولأجلها يقسر القانون ويأخذ تفسيره (العادي) كل هذا صحيح، لكن الجديد أن المعايير تلك مازالت  تنهب راحة النفس دون دراية بالأمر، من نفس تتوق بطبعها إلى الانعتاق من المكروه.. ولو أن هذا المكروه نفسه، هو موضع تساؤل وشك.

إليه المسرحية: الإنسان  (مبروم) (كالزمبرك) يمارس فعله الميكانيكي عند أول محرض بل وبلا محرض أيضاً. إنسان أعمى الإدارة والتوجه لضغط الأثقال عليه ولقلة الخيارات في وقت وحد، بل لانعدام الخيارات.. إنسان تفرض عليه (المحفوظات) العرفية، وتنال من إنسانيته حتى لو كان موضوعها التألم، أو  تداعي الذات السلبية. هو ذا إنسان المسرحية التي تعرضت إليه، إنسان جعلت منه حياته المطاعة، مجرد آلة تعمل إلى لا هدف. وتلك هي (فرقة الديوك) التي قدمت المعروف، العادي، المألوف بطريقة غير عادية. ورغم بساطة الموضوع فإن تسجيل ما يلي شيء ضروري:

-         اعتبرت المسرحية، دوماً، أن الإنسان مجرد رقم أو فرد ولهذا كان أن خرجت بعجزه وفشله واندحاره.

-         جعلت مناط الفعل الإنساني في جبهة وحيدة قاسية الفعل، لا إنسانيته، وخيبت مفهوم الحياة المقابل الذي يتصل عضوياً بالجبهة الأولى.

-         لأن المسرحية قدمت ما هو معش بشكل عادي، كان من الممكن إظهار المناقض، النقيض، لذلك في كل لحظة فعل، ودوماً بالشكل الذي يعري العادي حتى يجعله غير عادي، دون إملاء أو نصح أو تحريض.

-         منعت المسرحية مفهوم (التأزم) في العلاقات، ولم تسمح سلفاً لهذا المفهوم الوصول إلى شكله الممكن في العرض المسرحي، وذلك بعيداً عن تقديم الحلول بشكل تقليدي – والمسرحية لم تقدم حلولاً وهذا لا عيب فيه – انسحبت المسرحية بالفعل وغيبته في كل وقت، في كل مناسبة،  كان يمكن فيها أن يعبر الحدث عن أكثر من مجرد ردة فعل.

-         إن الخطأ الكبير الذي عانته المسرحية هو أنها حاولت التعرض لكل شيء، لأغلب مظاهر الخراب الاجتماعية والإنسانية في وقت لا يسمح الأمر فيه بذلك، وبهذا تساوت النتائج القليلة غير الهامة، من حيث ضحالة فعلها المرافقة لتعدديته.

-         انساقت المسرحية وراء المفاهيم العاطفية للحلول القومية، الوطنية الاجتماعية، حيث تهكمت بواقع التجزئة ظناً منها أن الحل هو في الدعوة الحارة إلى العكس. هذه الدعوة التي يمكن أن تفهم عن طريق المخالفة. وبذلك تكون المسرحية قد خلطت  بين التعرض للأهداف الكبرى، والتعرض إلى وسائل أولية لازالت كوابيس الحياة من فوق كاهل الفرد، وهذا ماله أثر سيء في وعي المشاهد، وذلك حتى في اللحظة التي يصفق فيها الجمهور بحرارة عند نقد واقع التجزئة، كما عند نقد سبب هذا الواقع.

 

إن كل ما عرضت له المسرحية من انتقاد صادق لمفاعيل الظروف اليومية التي تكره الإنسان على الإمساخ والانطواء والسلبية والعجز، تجعل التعرض للتحريض على ضرورة تحقيق الأهداف الكبرى، من باب تحصيل الحاصل.

 

-         إن ما سبق بحثه أكثر أهمية وخاصة حين نعلم أن علاج المسائل اليومية، كالقهر والجوع والذل والحرمان والسلبية، ذات الأسباب التاريخية والواقعية، إنما هو علاج يستقصي راحة نفس المشاهد ويقلبها إلى تمرد حسي آني، يطبق نفسه عاطفياً على التعامل مع الموضوعات الكبرى من مثل مفهوم (التجزئة) مثلاً، مما يجعل هذه الموضوعات الكبرى على هامش متن العمل الفني.

-         وفوق ذلك راحت المسرحية إلى إتباع أسلوب التحريض بدل الاكتفاء بالتدليل، بغض النظر عن أهمية التدليل ونوعيته وأهدافه، مما أنقص قيمة الهدف الضمني.

 

·        فن المسرحية:

استطاع العرض تحقيق ما رمى إليه، عن طريق ابتكار شكل يمت مباشرة إلى واقع الفعل الأساسي في مضمون العرض. فاللعبة  العامة التي ابتكرها المخرج، سواء في التأليف أو الإخراج، حققت هدفين معاً:

أولاً: تبرير كل ما يمكن أن يقال عن سوء الوضع، وذلك عن  طريق تداخل اللعب بالجد والمزاح بالحقيقة، مما جعل المشاهد يأتلف مع حالة العرض دون عناء أو إحساس بالثقل.

ثانياً: تمكين المشاهد من الخروج من حالة الملل المتوقعة، وهو يرى ما يعيش فيه، وما هو مألوف لديه.

وقد أفاد الإخراج من مفهوم (التغريب) عند بريخت، عندما جعل عند كل نقطة ذروة انفعالية حاجزاً عن المتابعة (الدرامية) يبطل السير اللاهث وراء (صدق) المشهد وضغطه، ليحيل المشاهد إلى نقطة بداية تبحث عن خيط ذي لون آخر، سواء فنياً أو فكرياً وكذلك الأمر بالنسبة للديكور البسيط، الذي حقق مهمة إخراج المتفرج من التأثر بالجمادات وجعله رهن الموضوع الذي هو أهم، على حين لم يكن للإضاءة دور هام، متميز.

 

وأما عن الموسيقا فقد سلكت سلوكاً آخر، فعلى حين كان من ضرورة التغريب الفني أن تساهم الموسيقا في رفع سوية الذهنية في التلقي، نراها أمعنت في فرض الجو النفسي العام الذي هدفت إليه المسرحية أساساً، يعني تحقيق الوطأة الأكبر على الشعور حين عمدت في كل مناسبة إلى تفريغ المتفرج من إمكانية إعداد مجموعة من المشاعر في مواجهة الحالة المعروضة، فأكثرت من إحباطات المتفرج من إمكانية إعداد مجموعة من المشاعر في مواجهة الحالة المعروضة، فأكثرت من إحباطات المتفرج حين كانت تندرج من الأعلى إلى الأسفل في السلم الموسيقي، وذلك بهدف التأثير التفريغي، الإحباطي، على الإحساس، مهتمة بتوصيل التعجيزية في الطرح العام، هذه التعجيزية التي تعد موضع انتقاد هي الأخرى من باب أهم.

وفي الحديث عن مجموعة الممثلين، فقد لا يكون إجحافاً قولنا أن الجميع تفوقوا وتوتروا إلى درجة واعية، عالية، كبيرة، على حين بقى الممثل (تيسير إدريس) خارج الحدث، بشكل عام، ناقص التوتر، (حيادي) التعامل مع الفكرة، الأمر الذي جعله يتدنى عن مجموعة زملاء عمله، بأن بقي نافراً بين المجموعة.